كيف ، فانّ الحكم الشرعي أمر اعتباري فلا واقع موضوعي له ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، وهو أمر تكويني فله واقع موضوعي ، وحصوله تابع لمبادئه من إدراك أمر ملائم لإحدى القوى النفسانية.
وإن أراد من الطلب في كلامه قدسسره الارادة بمعنى الاختيار ، فيرد عليه : أنّه لايتعلق بفعل الغير حتّى نبحث عن أنّ القيد راجع إليه أو إلى متعلقه ، بل قد ذكرنا في مبحث الطلب والارادة أنّه لا يتعلق بفعل نفسه في ظرف متأخر فضلاً عن فعل الغير ، والسبب في ذلك : ما تقدّم بشكل موسّع من أنّ الارادة بهذا المعنى إنّما تعقل في الأفعال المقدورة للانسان التي يستطيع أن يعمل قدرته فيها ، ومن المعلوم أنّ ما هو خارج عن إطار قدرته فلا يمكن تعلقها به ، وفعل الغير من هذا القبيل ، وكذا فعل الانسان نفسه إذا كان متأخراً زمناً ، وعليه فلا يمكن الالتزام بتعلق هذه الارادة بفعل الغير في مقام الطلب ، أو فقل إنّ الآمر لا يخلو من أن يكون هو الله تعالى أو غيره ، فعلى كلا التقديرين لا يمكن تعلقها به.
أمّا على الأوّل ، وإن أمكن للباري ( عزّ وجلّ ) أن يوجد الفعل عن الغير لعموم قدرته ، إلاّ أنّ ذلك ينافي اختيار العبد ، بداهة أنّ الفعل عندئذ يوجد بارادته تعالى وإعمال قدرته ، فلا معنى حينئذ لتوجيه التكليف إليه.
وأمّا على الثاني ، فمن جهة أنّ فعل الغير خارج عن قدرة الانسان فلا معنى لاعمال قدرته بالاضافة إليه ، ومن هنا ذكرنا أنّه لا معنى لتقسيم الارادة إلى التكوينية والتشريعية ، بداهة أنّا لا نعقل للارادة التشريعية معنى في مقابل الارادة التكوينية ، وقد سبق الاشارة إلى هذه النواحي بشكل مفصّل فلاحظ (١).
__________________
(١) المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٤١٦ وما بعدها.