وإن أراد بالطلب جعل الحكم واعتباره ، أي اعتبار شيء على ذمة المكلف ، حيث إنّ حقيقة الطلب كما ذكرناه سابقاً (١) هي التصدي نحو حصول الشيء في الخارج ، وقد ذكرنا أنّه على نحوين : أحدهما : التصدي الخارجي. وثانيهما : التصدي الاعتباري ، والاعتبار المذكور المبرز في الخارج مصداق للثاني ، نظراً إلى أنّ الشارع تصدى نحو حصول الفعل من الغير باعتباره على ذمته وإبرازه في الخارج بمبرز كصيغة الأمر أو ما شاكلها ، فإن أراد قدسسره به ذلك ، فهو وإن كان فعلياً دائماً ، سواء أكان المعتبر أيضاً كذلك أو كان أمراً استقبالياً ، إلاّ أنّه أجنبي عن محل الكلام رأساً ، فان محل الكلام إنّما هو في رجوع القيد إلى المعتبر وعدم رجوعه إليه ، لا إلى الاعتبار نفسه ، ضرورة أنّ الاعتبار والابراز غير قابلين للتقييد والتعليق أصلاً.
وإن أراد بالطلب ما تعلق به الاعتبار وهو المعتبر المعبّر عنه بالوجوب تارة وبالالزام تارة اخرى ، فصريح الوجدان شاهد على أنّه قابل للتقيد كما أنّه قابل للاطلاق ، وأنّ الحال يختلف فيه باختلاف الموارد من هذه الناحية ، بيان ذلك :
أنّ الفعل الذي هو متعلق للوجوب مرّة يكون ذا ملاك ملزم فعلاً ، فلا يتوقف اشتماله على الملاك المذكور واتصافه بالحسن على شيء من زمان أو زماني ، ففي مثل ذلك بطبيعة الحال الوجوب المتعلق به فعلي فلا حالة منتظرة له أبداً ، وإن كان تحقق الفعل في الخارج وإيجاده فيه يتوقف على مقدمات ، وذلك كشرب الدواء مثلاً للمريض ، فانّه ذو ملاك ملزم بالاضافة إليه فعلاً ، وإن كان تحققه في الخارج يتوقف على الاتيان بعدّة مقدمات ، وكالصلاة بعد دخول وقتها ، فانّها واجدة للملاك الملزم بالفعل ، وإن كان الاتيان بها في الخارج يتوقف على عدة امور كتطهير الثوب والبدن والوضوء أو الغسل أو نحو ذلك.
__________________
(١) راجع المجلد الأوّل من هذا الكتاب ص ٣٤٦ ، ٣٥٣.