وكذلك الحال فيما إذا كان الملاك فيه تاماً ، ولكن وجوده وتحققه في الخارج يتوقف على مقدمات خارجة عن اختيار المكلف ، وذلك كالمريض مثلاً حيث إنّ ملاك شرب الدواء في حقّه تام ولا حالة منتظرة له ، ولكن تحصيله فعلاً غير ممكن لمانع خارجي من زمان أو زماني ، ففي مثل ذلك لا مانع من كون الايجاب حالياً والواجب استقبالياً. ولعل من هذا القبيل وجوب الصوم بعد دخول شهر رمضان بمقتضى الآية الكريمة ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (١) فانّ الظاهر منها هو أنّ وجوب الصوم فعلي بعد دخول الشهر ، وهذا لا يمكن إلاّبالالتزام بتمامية ملاكه من الليل بحيث لو تمكن المكلف من جرّ اليوم إلى الساعة لكان عليه أن يصوم ، وكذا الحال في وجوب الحج بعد حصول الاستطاعة ، فانّ الظاهر من قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(٢) هو أنّ وجوب الحج فعلي بعد فعلية الاستطاعة ، وإن كان المكلف غير قادر على الاتيان به إلاّبعد مجيء زمانه وهو يوم عرفة ، وهذا لا ينافي كون الملاك فيه تاماً من حين تحقق الاستطاعة بحيث لو تمكن المكلف من جرّ يوم عرفة إلى الآن لكان عليه أن يحج. وعلى الجملة : فالقيد في أمثال هذه الموارد يرجع إلى الواجب دون الوجوب ، فالوجوب حالي والواجب استقبالي.
فالنتيجة : أنّ الملاك إذا كان تاماً فالوجوب فعلي ، سواء أكان الواجب أيضاً كذلك أم كان استقبالياً.
ومرّة اخرى : يكون ذا ملاك في ظرف متأخر لا فعلاً ، بمعنى أنّ ملاكه لا يتم إلاّبعد مجيء زمان خاص أو تحقق أمر زماني في ظرف متأخر ، ففي مثل ذلك لا يعقل أن يكون الوجوب المتعلق به فعلياً ، بل لا محالة يكون تقديرياً
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٨٥.
(٢) آل عمران ٣ : ٩٧.