وإن شئت قلت : إنّ موضوع حكم العقل هنا هو احتمال العقاب على مخالفة الواقع ، ومن الطبيعي أنّه لا احتمال للعقاب بعد فرض التعبد الاستصحابي.
فالنتيجة : أنّ ما أفاده شيخنا الاستاذ قدسسره (١) من عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام خاطئ جداً.
الصحيح في المقام أن يقال : إنّ المانع عن جريان الاستصحاب هنا أحد أمرين :
الأوّل : العلم الاجمالي بالابتلاء بقسم من الأحكام الشرعية في ظرفها ، ومن الواضح أنّ مثل هذا العلم الاجمالي مانع عن جريان الاصول النافية في أطرافه ، حيث إنّ جريانها في الجميع مستلزم للمخالفة القطعية العملية ، وجريانها في البعض دون الآخر مستلزم للترجيح من دون مرجّح ، فلا محالة تسقط فيستقلّ العقل بوجوب التعلم والفحص.
الثاني : أنّ ما دلّ على وجوب التعلم والمعرفة من الآيات والروايات كقوله تعالى ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(٢) وقوله عليهالسلام « هلاّ تعلّمت » (٣) وما شاكل ذلك ، وارد في مورد هذا الاستصحاب ، حيث إنّ في غالب الموارد لايقطع الانسان بل ولا يطمئن بالابتلاء ، فلو جرى الاستصحاب في هذه الموارد لم يبق تحت هذه العمومات والمطلقات إلاّموارد نادرة ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، فانّه تقييد المطلق بالفرد النادر ، ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث الاستصحاب في وجه تقديم قاعدة الفراغ عليه (٤).
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ٢٣١.
(٢) النحل ١٦ : ٤٣.
(٣) البحار ٢ : ٢٩ ، ١٨٠. وفيه : « أفلا تعلّمت ».
(٤) مصباح الاصول ٣ : ٣١٨.