على ذلك كما عرفت. وأمّا الوجوب الغيري فهو مبتن على أن يكون التعلم مقدمة لوجود الواجب خارجاً وترك الحرام كذلك كبقية المقدمات الوجودية ، ولكنّه ليس كذلك ، ضرورة أنّ الاتيان بذات الواجب وترك نفس الحرام لا يتوقفان عليه. نعم ، يتوقف الاتيان بالواجب إذا كان مركباً على تعلم أجزائه وشرائطه ، وذلك كالصلاة وما شاكلها ، إلاّ أنّ وجوبه لا يدور مدار القول بوجوب المقدمة ، بل هو ثابت بالآيات والروايات.
وأمّا الوجوب الارشادي بأن يكون ما دلّ عليه من الكتاب والسنّة إرشاداً إلى ما استقلّ به العقل من وجوب تعلم الأحكام ، نظير ما ذكرناه في الآيات الناهية عن العمل بغير العلم ، من أنّ مفادها إرشاد إلى ما استقلّ به العقل ، وهو عدم جواز العمل بالظن ، فيرد عليه : أنّه لو كان وجوبه ارشادياً لم يكن مانع من جريان البراءة الشرعية في الشبهات الحكمية قبل الفحص ، وذلك لأنّ المقتضي له ـ وهو إطلاق أدلتها ـ موجود على الفرض ، وعمدة المانع عنه إنّما هي وجود تلك الأدلة ، والمفروض أنّها على هذا التفسير حالها حال حكم العقل فغير صالحة للمانعية ، فان موضوعها يرتفع عند جريانها كحكم العقل ، ومثلها كيف يصلح أن يكون مانعاً.
وعلى الجملة : فعلى ضوء هذا التفسير كما أنّ البراءة الشرعية تجري في الشبهات الموضوعية قبل الفحص كذلك تجري في الشبهات الحكمية قبله فلا فرق بينهما عندئذ أصلاً ، فان عمدة الدليل على تقييد إطلاق أدلتها في الشبهات الحكمية بما بعد الفحص إنّما هو تلك الأدلة ، وإذا افترضنا أنّ مدلولها حكم إرشادي فهي لا تصلح لذلك. نعم ، لا تجرى البراءة العقلية ، لعدم إحراز موضوعها قبل الفحص.
فالنتيجة : أنّه يتعين الاحتمال الأخير ـ وهو كون وجوب التعلم وجوباً