الثالث : أنّ الغرض من إيجاب المقدمة إنّما هو إيصالها إلى الواجب ووقوعها في سلسلة علة وجوده ، وإلاّ فلا داعي للمولى في إيجاب المقدمة ، فإذن بطبيعة الحال يكون الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة ، والوجدان شاهد صدق على ذلك ، فانّ من أراد شيئاً أراد مقدماته التي توصل إليه ، وأمّا ما لا يوصل إليه فهو غير مراد له ، مثلاً من أراد الطبيب فبطبيعة الحال أراد مقدماته التي توصل إليه دون ما لا يوصل ، وهكذا.
وقد ناقش فيه صاحب الكفاية قدسسره بما يرجع إلى وجهين أحدهما : إلى منع الصغرى. وثانيهما : إلى منع الكبرى ، أمّا الأوّل : فملخصه هو : أنّ الغرض الداعي إلى إيجاب المقدمة إنّما هو التمكن من الاتيان بالواجب النفسي لا ترتبه عليه خارجاً ، وهذا الغرض موجود في الموصلة وغيرها ، فلا موجب لتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة. وجوابه قد تبين ممّا سبق فلا نعيد. وأمّا الثاني فحاصله هو : أنّ صريح الوجدان قاض بأنّ المقدمة التي اريد لأجل غاية من الغايات وتجرّدت عنها تقع على صفة الوجوب ، وعلى هذا وإن سلّمنا أنّ الغاية لوجوب المقدمة إنّما هي ترتب وجود ذيها عليها ، إلاّ أنّه لا يكون قيداً للواجب بحيث لو تجرد عنه لم يقع على صفة الوجوب. وجوابه واضح ، وهو أنّ الشيء إذا وجب لغاية من الغايات فكيف يعقل تحقق الوجوب بدون تحقق تلك الغاية ، فإذا افترضنا أنّ الغاية من إيجاب المقدمة إنّما هي إيصالها إلى الواجب النفسي وترتبه عليها ، فعندئذ لو تجردت عنها ولم يترتب الواجب عليها فكيف تقع على صفة الوجوب ، ومن هنا قلنا إنّ وجود الواجب في الخارج كاشف عن تحقق مقدمته الواجبة وعدم وجوده كاشف عن عدم تحققها ، ونظير ذلك ما تقدّم من أنّ المكلف إذا أتى بجزء من الواجب وتجرد عن بقية أجزائه لم يقع على صفة الوجوب.