للملاك ، فكل ما لا يكون فيه الملاك لا يعقل فيه التقدم والتأخر أصلاً ، بل لا مناص فيه من الحكم بالمعية والاتحاد في الرتبة.
ومن ذلك يظهر الحال في الضدّين ، إذ يمكن أن يكون عدم أحدهما متقدماً على وجود الآخر بملاك موجب له ، ولا يكون ما هو متحد معه في الرتبة متقدماً عليه ، فمجرد اتحاد الضدّين والنقيضين في الرتبة لا يأبى أن يكون عدم الضد متقدماً على الضدّ الآخر ، مع عدم تقدّم ما هو في مرتبته عليه ، لاختصاص ملاك التقدم بعدم كل منهما بالاضافة إلى وجود الآخر ، دون عدم كل منهما بالاضافة إلى وجوده ، ودون وجود كل منهما بالاضافة إلى وجود الآخر. ولأجل ذلك كان ما هو متحد مع العلة في الرتبة ـ وهو عدمها ـ متحداً مع المعلول في الرتبة ، وكان ما هو متحد مع المعلول في الرتبة ـ وهو عدمه ـ متحداً مع العلة في الرتبة ، مع أنّ العلة متقدمة على المعلول رتبة.
ثمّ إنّ ما ذكره في النقيضين ـ من أن قضية المنافاة بينهما لا تقتضي تقدّم [ ارتفاع ] أحدهما في ثبوت الآخر ـ لا بدّ من فرضه في طرف واحد منهما ، وهو طرف الوجود دون كلا الطرفين ، وذلك لأنّ وجود الشيء يغاير عدم نقيضه ـ أعني به عدم العدم ـ مفهوماً ، وأمّا عدم الشيء فهو بنفسه نقيض الشيء ، ولا يغايره بوجه كي يقال إنّ ارتفاع الوجود يلائم نقيضه من دون أن يكون بينهما تأخر وتقدّم. مثلاً وجود الانسان يغاير عدم نقيضه ـ عدم الانسان ـ مفهوماً ، فان مفهوم عدم العدم غير مفهوم الوجود ، وإن كان في الخارج عينه. فإذن يمكن أن يقال : إنّ الشيء كالانسان متحد في الرتبة مع عدم نقيضه ، وأمّا عدم الانسان فلا يغاير عدم نقيضه ـ وجود الانسان ـ حتّى مفهوماً ، فانّ نقيضه هو الانسان ، وعدم نقيضه هو عدم الانسان. إذن فلا معنى لأن يقال : إنّ عدم الانسان متحد في الرتبة مع عدم الانسان.