الثانية : أنّ منشأ اعتبار القدرة في متعلق التكليف إنّما هو اقتضاء نفس التكليف ذلك الاعتبار لا حكم العقل بقبح تكليف العاجز ، ضرورة أنّ الاستناد إلى أمر ذاتي سابق على الاستناد إلى أمر عرضي.
الثالثة : أنّ الفرد المزاحم هنا تامّ الملاك ، وأنّ قصد الملاك كافٍ في صحة العبادة.
الرابعة : أنّ المانع من صحة العبادة والتقرب بها إنّما هو النهي النفسي لا النهي الغيري ، لأنّ النهي الغيري لا ينشأ من مفسدة في متعلقه ليكون كاشفاً عن عدم تمامية ملاك الأمر.
ولنأخذ الآن بدرس هذه النقاط :
أمّا النقطة الاولى ، فيرد عليها : أنّ ما أفاده قدسسره من التفصيل بين القول بأنّ منشأ اعتبار القدرة شرطاً للتكليف هو حكم العقل بقبح تكليف العاجز ، والقول بأنّ منشأ اعتباره اقتضاء نفس التكليف ذلك الاعتبار ، فيسلّم ما ذكره المحقق الثاني قدسسره على الأوّل دون الثاني ، لا يرجع إلى معنى محصّل ، بناءً على ما اختاره قدسسره من استحالة الواجب المعلق ، وتعلّق الوجوب بأمر متأخر مقدور في ظرفه.
بيان ذلك : أنّ الأمر في الواجب الموسّع وإن تعلّق بالطبيعة وبصرف الوجود منها ، إلاّ أنّه أيضاً مشروط بالقدرة عليها ، ومن الواضح أنّ القدرة عليها لايمكن إلاّ بأن يكون بعض وجوداتها وأفرادها ـ ولو كان واحداً منها ـ مقدوراً للمكلف ، وأمّا لو كان جميع أفرادها ووجوداتها غير مقدورة له ، ولو كان ذلك في زمان واحد ، دون بقية الأزمنة ، فلا يمكن تعلّق التكليف بنفس الطبيعة ، وبصرف وجودها في ذلك الزمان الذي فرضنا أنّ الطبيعة غير مقدورة فيه بجميع أفرادها ، إلاّعلى القول بصحة الواجب المعلق ، وحيث إنّ الواجب