الأوّل : ما عن المحقق صاحب الكفاية قدسسره (١) من دعوى القطع بأنّ الفرد المزاحم تامّ الملاك ، ولا قصور فيه أصلاً ، وقال في بيان ذلك ما ملخّصه : أنّ الفرد المزاحم للواجب المضيّق أو الأهم وإن كان خارجاً عن الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها ، إلاّ أنّه لما كان وافياً بغرضها ـ كالباقي من أفرادها ـ كان عقلاً مثله في الاتيان به بداعي الأمر بالطبيعة في مقام الامتثال ، بلا تفاوت في نظر العقل بينه وبين بقية الأفراد من هذه الجهة أصلاً. نعم ، إنّه يفترق عن البقية في أنّه خارج عن الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك ، والبقية داخلة فيها. وهذا ليس لقصور فيه ليكون خروجه عنها من باب التخصيص وعدم الملاك ، بل لعدم إمكان تعلّق الأمر بما يعمّه عقلاً. وعلى كل حال فالعقل لا يرى تفاوتاً بينه وبين غيره من الأفراد في الوفاء بغرض الطبيعة أصلاً وأ نّه كالبقية تامّ الملاك ، ولا قصور فيه أبداً.
وغير خفي : أنّا قد ذكرنا غير مرّة أنّه لا طريق لنا إلى إحراز ملاكات الأحكام الواقعية ، وجهات المصالح والمفاسد في متعلقاتها ، مع قطع النظر عن ثبوت تلك الأحكام. نعم ، في لحظة ثبوتها نستكشف اشتمال متعلقاتها على الملاك بناءً على ما هو الصحيح من تبعية الأحكام لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد الواقعيتين. وأمّا إذا سقطت تلك الأحكام فلايمكننا إحراز أنّ متعلقاتها باقية على ما كانت عليه من الاشتمال على الملاك ، إذ كما نحتمل أن يكون سقوطها من جهة المانع مع ثبوت المقتضي لها ، نحتمل أن يكون من جهة انتفاء المقتضي وعدم ثبوته ، فلا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر.
وعلى الجملة : فالعلم بوجود مصلحة في فعل أو مفسدة تابع لتعلق الأمر أو النهي به ، فمع قطع النظر عنه لا يمكن العلم بأنّ فيه مصلحة أو مفسدة. ومن هنا
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٣٦.