أمّا الوجه الأوّل : فلما حققناه في محلّه (١) من أنّه لا فرق في الرجوع إلى أصالة البراءة في موارد الشك في التكليف بين أن يكون منشؤه الشك في القدرة أو الشك من جهة اخرى كعدم النص أو إجماله أو تعارض النصين أو نحو ذلك ، ضرورة عدم الفرق بينهما ، ولا موجب لتقييد أصالة البراءة بغير المورد الأوّل ، فانّه بلا دليل ومقتض ، وتمام الكلام في محله.
وأمّا الوجه الثاني : فلأنّ ما أفاده قدسسره من دوران الأمر في المقام بين التعيين والتخيير وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّ ما ذكره قدسسره من أنّ المرجع فيه قاعدة الاشتغال خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له ، والسبب في ذلك : هو أنّنا قد حققنا في موطنه (٢) أنّ المرجع في كافة موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير هو أصالة البراءة دون قاعدة الاشتغال إلاّفي موردين :
الأوّل : فيما إذا دار الأمر بينهما في الحجية ، كما إذا دلّ دليل على وجوب شيء ، والآخر على حرمته وفرضنا العلم الخارجي بحجية أحدهما في هذا الحال ، فعندئذ إن كان الدليلان متساويين فالحجية تخييرية ، وإن كان أحدهما محتمل الرجحان بالاضافة إلى الآخر فهو الحجة دونه ، وذلك لأنّه إمّا بخصوصه حجة أو هو أحد فردي الحجية ، وهذا بخلاف الآخر ، فان احتمال أنّه بخصوصه حجة دون ذاك غير محتمل. فإذن لا محالة تكون حجيته مشكوكة ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ الشك في الحجية في مرحلة الانشاء مساوق للقطع بعدمها في مرحلة الفعلية فلا أثر له. وهذا معنى حكم العقل بالتعيين في مثل هذا المورد.
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ : ٤٦٥ ، وراجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ٨٧.
(٢) مصباح الاصول ٢ : ٥٢٠ ، وراجع المجلد الثالث من هذا الكتاب ص ٨٥.