البيّنة الشرعية إذا قامت على انّ المائع الفلاني خمر مثلاً ، لا توجب انقلاب الواقع عما هو عليه من هذه الناحية ، فلو كان في الواقع ماء لم تجعله خمراً وبالعكس ، كما إذا قامت على أنّه ماء وكان في الواقع خمراً لم تجعله ماءً ، أو إذا قامت على أنّ المال الذي هو لزيد قد نقل منه بناقل شرعي إلى غيره ثمّ بعد ذلك انكشف الخلاف وبان أنّه لم ينتقل إلى غيره لم توجب انقلاب الواقع عما هو عليه وتغيّره ، يعني قلب ملكية زيد إلى غيره ، أو إذا افترضنا أنّها قامت على أنّ المائع الفلاني ماء فتوضأ به ثمّ انكشف خلافه لم يكن مجزئاً ، لما عرفت من أنّها لا توجب انقلاب الواقع ولا تجعل غير الماء ماء ، ليكون الوضوء المذكور مجزئاً عن الواقع.
ومن ناحية ثالثة : قد تسالمنا على خروج موارد انكشف عدم الحكم الظاهري فيها رأساً عن محل الكلام ، وذلك كما لو استظهر المجتهد معنى من لفظ وأفتى على طبقه استناداً إلى حجية الظهور ، ثمّ بعد ذلك انكشف أنّه لا ظهور له في هذا المعنى المعيّن أصلاً ، بل هو مجرد وهم وخيال فلا واقع موضوعي له ، فعندئذ لا ريب في عدم حجية هذا المعنى ، لعدم اندراجه تحت أدلة حجية الظهورات. وكذا لو أفتى المجتهد على طبق رواية وقع في سلسلة سنده ابن سنان ، بتخيّل أنّه عبدالله بن سنان الثقة ، ثمّ بان أنّه محمّد بن سنان الضعيف ، فانّ الاعتقاد الأوّل باطل ، حيث إنّه صرف وهم وخيال ولا واقع له.
فالنتيجة : أنّ كلّما كان الاشتباه في التطبيق بتخيل أنّ اللفظ الفلاني ظاهر في معنى ثمّ بان أنّه غير ظاهر فيه من الأوّل وكان اعتقاد الظهور مجرد وهم بلا واقعية له ، أو اعتقد أنّ الرواية الفلانية رواية ثقة بتخيل أنّ الواقع في سندها زرارة بن أعين مثلاً ثمّ انكشف أنّها رواية ضعيفة ، وأنّ الواقع في سندها ليس هو زرارة بن أعين ، بل شخص آخر لم يوثق ، أو اعتقد أنّ الرواية الفلانية