__________________
بمضيّ مثل هذه المدّة الطويلة من الزوال؟
فأجاب عليهالسلام بأنّ المراد بالقامة التي يحدّ بها أوّل الوقت التي هي بازاء الذراع ، ليس قامة الشخص الذي هي شيء ثابت غير مختلف ، بل المراد به مقدار ظلّها الذي يبقى على الأرض عند الزوال ، الذي يعبّر عنه بظلّ القامة ، وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد ، مرّة يكثر ، ومرّة يقلّ. وإنّما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره ذراعاً ، فاذا زاد الفيء ؛ أعني الذي يزيد من الظلّ بعد الزوال بمقدار ذراع حتّى صار مساوياً للظلّ ، فهو أوّل الوقت للظهر ، وإذا زاد ذراعين ، فهو أوّل الوقت للعصر.
وأمّا قوله عليهالسلام : « فاذا كان ظلّ القامة أقل أو أكثر ، كان الوقت محصوراً بالذراع والذراعين » فمعناه أنّ الوقت إنّما يضبط حينئذٍ بالذراع والذراعين خاصّة دون القامة والقامتين. وأمّا التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث ، فإنّما جاء بالقدمين والأربعة أقدام ، وهو مساوٍ للتحديد بالذراع والذراعين ، وما جاء نادراً بالقدم والقدمين ، فإنّما اريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلباً لفضل أوّل الوقت فالأوّل.
ولعلّ الإمام عليهالسلام إنّما لم يتعرّض للقدم عند تفصيل الجواب وتبيينه لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك ، وأنّه إنّما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلّة في تأخير أوّل الوقت إلى ذلك المقدار.
وفي التهذيب فسّر القامة في هذا الخبر بما يبقي عند الزوال من الظلّ ، سواء كان ذراعاً أو أقلّ أو أكثر ، وجعل التحديد بصيرورة الفيء الزائد ، مثل الضلّ الباقي كائناً ما كان.
واعترض عليه بعض مشايخنا ـ طاب ثراهم ـ بأنّه يقتضي اختلافاً فاحشاً في الوقت ، بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت ، كما إذا كان الباقي شيئاً يسيراً جدّاً ، بل يستلزم الخلوّ عن التوقيت في اليوم الذي تسامت الشمس فيه رأس الشخص ؛ لانعدام الظلّ الأوّل حينئذ ، ويعني بالعبادة النافلة ؛ لأنّ هذا التأخير عن الزوال إنّما هو للإتيان بها ، كما ستقف عليه.
أقول : أمّا الاختلاف الفاحش فغير لازم ، وذلك لأنّ كلّ بلد أو زمان يكون الظلّ الباقي فيه شيئاً يسيراً ، فإنّما يزيد الفيء فيه في زمان طويل ؛ لبطئه حينئذٍ في التزايد ، وكلّ بلد أو زمان يكون الظلّ الباقي فيه كثيراً ، فإنّما يزيد الفيء فيه في زمان يسير ؛ لسرعته في التزايد حينئذ ، فلا يتفاوت الأمر في ذلك ، وأمّا انعدام الظلّ ، فهو أمر نادر لايكون إلاّ في قليل من البلاد ، وفي يوم تكون الشمس فيه مسامتة لرؤوس أهله لاغير ، ولاعبرة بالنادر ، نعم يرد على تفسير صاحب التهذيب أمران : أحدهما أنّه غير موافق لقوله عليهالسلام : « فإذا كان ظلّ القامة أقلّ أو أكثر كان الوقت محصوراً بالذراع والذراعين ؛ لأنّه على تفسير يكون دائماً محصوراً بمقدار ظلّ القامة كائناً ما كان ، والثاني أنّه غير موافق للتحديد الوارد في سائر الأخبار المعتبرة المستفيضة ،