«اللّهمّ إنّي محمد عبدك ونبيّك ، وهذا أطايب عترتي ، وخيار ذرّيتي وأرومتي ، ومَن اُخلّفهم في اُمّتي. اللّهمّ وقد أخبرني جبريل بأنّ ولدي هذا ـ وأشار إلى الحسين ـ مقتول مخذول. اللّهمّ فبارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، إنّك على كل شيء قدير. اللّهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله».
وانقلبت ساحة الجامع إلى صرخة مدويّة من البكاء والعويل ، فقال لهم النبي : «أتبكون ولا تنصرونه؟! اللّهمّ فكن أنت ولياً وناصراً».
قال ابن عباس : وبقي النبي (صلّى الله عليه وآله) متغيّر اللون محمرّ الوجه ، فصعد المنبر مرة اُخرى وخطب الناس خطبة بليغة موجزة ، وعيناه تهملان دموعاً ، ثمّ قال : «أيها الناس ، إنّي قد خلّفت فيكم الثقلين ؛ كتاب الله وعترتي وأرومتي ومراح مماتي (١) وثمرتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلاّ ما أمرني ربّي أن أسألكم المودّة في القربى ، فانظروا أن لا تلقوني غداً على الحوض وقد أبغضتم عترتي.
ألا وإنّه سيرد عليّ في القيامة ثلاث رايات من هذه الاُمّة : راية سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة ، فتقف عليّ ، فأقول : مَن انتم؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن من أهل التوحيد من العرب. فأقول : أنا أحمد نبي العرب والعجم. فيقولون نحن من اُمّتك يا أحمد. فأقول لهم : كيف خلّفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربّي؟ فيقولون : أمّا الكتاب فضيّعنا ومزّقنا ، وأمّا عترتك فحرصنا على أن يندهم (٢) من جديد الأرض
__________________
(١) هكذا في الأصل ، والصحيح (ومزاج مائي).
(٢) هكذا في الأصل ، والصحيح على أن نبيدهم.