إنكنّ صويحبات يوسف ؛ إذا مرض عصرتنّ أعينكنّ ، وإذا صحّ ركبتنّ عنقه.
فرمقه الرسول وصاح به : «دعوهنّ فإنهنّ خير منكم».
وبدأ صراع رهيب بين القوم ، وكادت أن تفوز الجبهة التي أرادت تنفيذ ما أمر به الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، فانبرى أحدهم فسدّد سهماً لِما رامه النبي (صلّى الله عليه وآله) وأفسد عليه ما أراد ، قائلاً : إنّ النبي ليهجر (١).
لقد أنستهم الأطماع السياسية مقام النبي (صلّى الله عليه وآله) الذي زكّاه الله وعصمه من الهجر وغيره مما ينقص الناس. ألم يسمعوا كلام الله يتلى عليهم في اناء الليل وأطراف النهار ، وهو يعلن تكامل النبي (صلّى الله عليه وآله) وتوازن شخصيته ، قال تعالى : (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى). وقال تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).
لقد وعى القوم آيات الكتاب في حقّ نبيّهم لم يخامرهم شكّ في عصمته وتكامل شخصيته ، ولكن الأطماع السياسية دفعتهم إلى هذا الموقف الذي يحزّ في نفس كل مسلم ، وكان ابن عباس إذا ذكر هذا الحادث الرهيب
__________________
(١) نصّ على الحادثة المؤلمة جميع المؤرّخين في الإسلام ، وذكرها البخاري في صحيحه عدّة مرّات في ٤ / ٦٨ و ٦٩ ، ٦ / ٨ ، إلاّ أنه كتم اسم القائل ، وفي نهاية غريب الحديث ، وشرح النهج المجلد الثالث / ١١٤ تصريح باسمه.