ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين رجلاً كأنّ وجوههم شنوف الذهب ، تصرع آنافهم قبل شفاههم (١)!
ودلّل عثمان على مدى لوعة قريش وحزنها على مَن قتل منها في واقعة بدر ، من الرجال الذين كانت وجوههم شبيهة بشنوف الذهب ؛ لنضارتها وحسنها ، وقد صرعت أنافهم ذلاً قبل شفاههم. ومما لا شكّ فيه أنها كانت ترى الإمام (عليه السّلام) هو الذي وتَرَها ، فهي تطالبه بذحلها والدماء التي سفكها.
يقول الكناني محرّضاً لقريش على الوقيعة بالإمام (عليه السّلام) ، والطلب بثأرها منه :
في كلِّ مجمعِ غايةٍ أخزاكُمُ |
|
جذعٌ أبرُّ على المذاكي القُرّحِ |
لله درّكمُ ألمّا تذكروا |
|
قد يذكر الحرّ الكريم ويستحي |
هذا ابن فاطمةَ (٢) الذي أفناكُمُ |
|
ذبحاً بقتلةِ بعضه لم يذبحِ |
أين الكهولُ وأين كلّ دعامةٍ |
|
في المعضلات وأين زينُ الأبطحِ (٣) |
ويروي ابن طاووس عن أبيه يقول : قلت لعلي بن الحسين (عليه السّلام) : ما بال قريش لا تحبّ علياً؟ فأجابه (عليه السّلام) : «لأنه أورد أوّلهم النار ، وألزم آخرهم العار» (٤).
وعلى أيّ حال ، فإن الأنصار قد علمت أنّ المهاجرين من قريش يدبّرون المؤامرات ويبغون الغوائل للإمام ، وأنهم لا يرضون بحكمه ، وقد أعلنوا ذلك يوم غدير خم ، فقد قالوا : لقد حسب محمد أنّ هذا الأمر قد تمّ لابن عمّه ، وهيهات أن يتمّ. وقد أيقن الأنصار أنهم سيصيبهم الجهد والعناء إن استولى المهاجرون على زمام الحكم ؛ وذلك بسبب مودّتهم للإمام ، فلذلك
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٩ / ٢٢.
(٢) فاطمة : هي بنت أسد اُمّ الإمام أمير المؤمنين.
(٣) شرح نهج البلاغة.
(٤) معجم ابن الأعرابي ٤ / ١٦.