وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) لديهم وبقيّته فيهم ، وقد قال الله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)؟! أليس من حقّ هذا الرسول الذي يعزّ عليه عنت الاُمّة ويحرص على سعادتها ـ وهو الرؤوف بها الرحيم لها ـ أن لا تعنت عترته ، فلا تفاجأ بمثل ما فُوجئت به ، والجرح لمّا يندمل والرسول لمّا يُقبر (١)؟
٤ ـ إنّ المنطق الذي استند إليه أبو بكر لأحقيّة المهاجرين من قريش بالخلافة هو أنهم أمسّ الناس رحماً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأقربهم إليه ، وهذا الملاك على أكمل وجوهه وأتمّ رحابه متوفّر في أهل البيت (عليهم السّلام) فهم ألصق الناس به وأمسّهم به ، وما أروع قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) : «احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة».
وخاطب (عليه السّلام) أبا بكر بقوله :
فإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمَهمْ |
|
فغيرُكَ أولى بالنبيِّ وأقربُ |
وإنْ كنت بالشورى ملكت اُمورَهُمْ |
|
فكيف بهذا والمشيرون غيّبُ |
ويقول الكميت :
بحقّكمُ أمست قريشٌ تقودنا |
|
وبالفذِّ منها والرديفين نركبُ |
وقالوا ورثناها أبانا واُمّنا |
|
وما ورثتهمْ ذاك اُمٌّ ولا أبُ |
يرَون لهم فضلاً على الناس واجباً |
|
سفاهاً وحقّ الهاشميِّين أوجبُ (٢) |
وعرض الإمام (عليه السّلام) في حديث له عن شدّة قربه من النبي (صلّى الله عليه وآله) وبعض مواهبه ، فقال : «والله ، إنّي لأخوه ـ أي أخ النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ ووليه ، وابن عمّه ووارث علمه ، فمَن أحقّ به منّي؟!».
لقد انساب القوم وراء أطماعهم وأهوائهم ، وتهالكوا على الحكم
__________________
(١) النص والاجتهاد / ٧.
(٢) الهاشميّات / ٣١ ـ ٣٣.