وراح أبو سفيان يشتدّ في إثارة الفتنة ، ويدعو الإمام إلى إعلان الثورة على أبي بكر ، وكان ينشد :
بني هاشمٍ لا تطمعوا الناسَ فيكُمُ |
|
ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي |
فما الأمر إلاّ فيكُمُ وإليكُمُ |
|
وليس لها إلاّ أبو حسنٍ علي |
أبا حسنٍ فاشدد بها كفَّ حازمٍ |
|
فإنّك بالأمر الذي يُرتجى علي (١) |
ومن المقطوع به أنه لم تكن معارضة أبي سفيان عن إيمان منه بحق الإمام (عليه السّلام) ، وإنما كانت ظاهرية أراد بها الكيد للإسلام والبغي عليه. وقد أعرض الإمام عنه ولم يعن بعواطفه الكاذبة ؛ فإن علاقة أبي بكر مع أبي سفيان كانت وثيقة للغاية ، فقد روى البخاري أنّ أبا سفيان اجتاز على جماعة من المسلمين منهم أبو بكر وسلمان وصهيب وبلال ، فقال بعضهم : أما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها؟
فزجرهم أبو بكر وقال لهم : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدهم؟! ومضى مسرعاً إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) يخبره بمقالة القوم ، فردّ عليه الرسول (صلّى الله عليه وآله) قائلاً : «يا أبا بكر ، لعلّك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله» (٢).
ودلّت هذه البادرة على مدى الصلة الوثيقة بينهما ، وقد جهد أبو بكر في خلافته على استمالة أبي سفيان وكسب ودّه ، فقد استعمله عاملاً على ما بين آخر حدّ للحجاز ، وآخر حدّ من نجران (٣) ، كما عيّن ولده يزيد والياً على الشام ، ومنذ ذلك اليوم قد علا نجم الاُمويِّين وقويت شوكتهم :
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٦ / ٧.
(٢) صحيح البخاري ٢ / ٣٦٢.
(٣) شرح نهج البلاغة ٦ / ١٠ ـ ١١.