الشمس والقمر ، وانتشرت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال وخشعت الجبال ، واُضيع الحريم ، وأديلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في ممساكم ومصبحكم هتافاً وصراخاً ، وتلاوةً وألحاناً ، ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».
وأخذت تحفّز الأنصار وتذكّرهم بجهادهم المضيء وكفاحهم المشرق في نصرة الإسلام وحماية أهدافه ومبادئه ، طالبةً منهم الانتفاضة والثورة على قلب الحكم القائم قائلةً :
«إيهاً بني قيلة (١)! أاُهضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة والأداة والقوة ، وعندكم السلاح والجُنّة (٢) ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.
قاتلتم العرب وتحمّلتم الكدّ والتعب ، وناطحتم الاُمم وكافحتم البُهم ، فلا نبرح وتبرحون نأمركم فتأتمرون ، حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيّام ، وخضعت نعرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنى جرتم (٣) بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ، بؤساً
__________________
(١) بنو قيلة : هم الآوس والخزرج من الأنصار.
(٢) الجنّة (بالضم) : ما يستتر به من السلاح.
(٣) جرتم : أي ملتم.