أيها الناس ، اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله (ص) (١).
وطلب أبو بكر من عثمان بن عفان أن يكتب للناس عهده في عمر ، وكتب عثمان ما أملاه عليه ، وهذا نصّه : هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة ، آخر عهده في الدنيا نازحاً عنها وأوّل عهده بالآخرة داخلاً فيها ، إنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن تروه عدل فيكم فذلك ظنّي به ورجائي فيه ، وإن بدّل وغيّر فالخير أردت ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (٢).
ووقّع أبو بكر الكتاب فتناوله عمر ، وانطلق به يهرول إلى الجامع ليقرأه على الناس ، فانبرى إليه رجل وقد أنكر عليه ما هو فيه قائلاً : ما في الكتاب يا أبا حفص؟
فنفى عمر علمه بما فيه ، إلاّ أنّه أكّد التزامه بما جاء فيه قائلاً : لا أدري ، ولكنّي أوّل مَن سمع وأطاع. فرمقه الرجل ، وقد علم واقعه قائلاً : ولكنّي والله أدري ما فيه ، أمّرته عام أوّل ، وأمّرك العام (٣).
وانبرى عمر إلى الجامع فقرأه على الناس ، وبذلك تمّ له الأمر بسهولة من دون منازع ، إلاّ أنّ ذلك قد ترك أعمق الأسى في نفس الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فراح بعد سنين يدلي بما انطوت عليه نفسه من الشجون ، يقول (عليه السّلام) في خطبته الشقشقية :
«فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجاً ، أرى تراثي نهباً ، حتى
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٥٢.
(٢) الإمامة والسياسة ١ / ١٩ ، طبقات ابن سعد ، تاريخ الطبري.
(٣) الإمامة والسياسة ١ / ٢٠.