فخرجوا منه وقد ملك الذعر إهابهم ، وانطلقوا إلى الإمام أمير المؤمنين وأخبروه بما ألمّ بهم ، فانبرى الإمام إلى عثمان فقال له : «دفعت الشهود وأبطلت الحدود؟».
وهدأ عثمان وخاف من عواقب الاُمور ، فاتّجه نحو الإمام قائلاً بصوت خافت : ما ترى؟
ـ «أرى أن تبعث إلى صاحبك ، فإن أقاما الشهادة في وجهه ولم يدلِ بحجّة أقمت عليه الحدّ».
ولم يجد عثمان بدّاً من الإذعان لقول الإمام ، فكتب إلى الوليد يأمره بالشخوص إليه ، ولمّا وصلت إلى الوليد رسالة عثمان نزح من الكوفة إلى يثرب ، ولمّا مثل بين يدي عثمان دعا بالشهود فأقاموا عليه الشهادة ، فلم يدلِ بأيّة حجّة ، وبذلك خضع لإقامة الحدِّ.
ولم ينبرِ إليه أحد لإقامة الحدّ عليه ؛ خوفاً من عثمان ، فقام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ودنا منه ، فسبّه الوليد وقال : يا صاحب مكس (١). وقام إليه عقيل فردّ سبّه ، وجعل الوليد يروغ عن الإمام فاجتذبه وضرب به الأرض وعلاه بالسّوط ، وتميّز عثمان غيظاً وغضباً ، فصاح بالإمام : ليس لك أن تفعل به هذا.
فأجابه الغمام بمنطق الشرع قائلاً : «بلى وشرٌّ من هذا إذا فسق ، ومنع حق الله أن يؤخذ منه» (٢).
ودلّت هذه البادرة على تهاون عثمان بحدود الله ، وعدم اكتراثه بإقامتها. وعلّق الاُستاذ العلائلي على هذه البادرة بقوله :
__________________
(١) المكس : النقص والظلم.
(٢) مروج الذهب ٢ / ٢٢٥.