ابن أبي سرح (١) ، ونزحوا عن المدينة فلمّا بلغوا إلى الموضع المعروف (بحمس) ، وإذا بقادم من يثرب ، تأمّلوه فإذا هو ورش غلام عثمان ، فتفحّصوا عنه وفتّشوه ، وإذا به يحمل رسالة من عثمان إلى ابن أبي سرح يأمره فيها بالتنكيل بالقوم ، وتأمّلوا في الكتاب فإذا به بخطّ مروان ، فقفلوا راجعين إلى يثرب وقد صمموا على خلع عثمان أو قتله (٢).
لم يستعمل عثمان معاوية على الشام والياً وإنما استعمله عمر وأقرّه عثمان عليها ، ولكنه زاد في نفوذه وبسط في سلطانه ، ومهّد له الطريق في نقل الخلافة الإسلاميّة إليه ، يقول طه حسين :
وليس من شكّ في أنّ عثمان هو الذي مهّد لمعاوية ما اُتيح له من نقل الخلافة ذات يوم إلى آل أبي سفيان ، وتثبيتها في بني اُميّة ، فعثمان هو الذي وسّع على معاوية في الولاية فضمّ إليه فلسطين وحمص وأنشأ له وحدة شامية بعيدة الأرجاء ، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ، فكانت جيوشه أقوى جيوش المسلمين ، ثمّ مدّ له في الولاية أثناء خلافته كلّها كما فعل عمر ، وأطلق يده في اُمور الشام أكثر مما أطلقها عمر. فلمّا كانت الفتنة نظر معاوية فإذا هو أبعد الاُمراء بالولاية عهداً ، وأقواهم جنداً ، وأملكهم لقلب الرعية (٣).
إنّ عثمان هو الذي مدّ في سلطان معاوية ، وزاد في سعة ولايته ، وبسط له النفوذ حتّى كان من أقوى الولاة وأعظمهم نفوذاً ، وأصبح قطره من أهمّ الأقطار الإسلاميّة وأمنعها ، وأكثرها هدوءاً واستقراراً.
__________________
(١) أنساب الأشراف ٥ / ٢٦.
(٢) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٢٥٠.
(٣) الفتنة الكبرى ١ / ١٢٠.