وبادر الإمام الحسن نحو عمّه أبي ذر فصافحه وودّعه وداعاً حاراً ، وألقى عليه هذه الكلمات التي تنم عن عظيم مصابه وحزنه :
«يا عمّاه ، لولا أنه ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف ، وقد أتى القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتّى تلقى نبيّك وهو عنك راضٍ».
وانطلق الإمام الحسين إلى أبي ذر ، وقد أخذ منه الأسى مأخذاً عظيماً فألقى عليه هذه الكلمات المشرقة : «يا عمّاه ، إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ الله كل يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك ، وأحوجهم إلى ما منعتهم! فاسأل الله الصبر واستعذ به من الجشع والجزع ؛ فإن الصبر من الدين والكرم ، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً ، والجزع لا يؤخّر أجلاً».
ما أروع هذه الكلمات التي كشفت السّتار عن عداء الاُمويِّين لأبي ذر فإنهم قد خافوه على دنياهم ، وخافوه على مناصبهم ، وقد أمره (عليه السّلام) بالخلود إلى الصبر ، ونهاه عن الجزع ، فإنه لا يؤخّر أجلاً. وقد تذرّع