فأجابهم الإمام مصرّاً على رفضه قائلاً :
«دعوني والتمسوا غيري».
وأحاطهم علماً بالأحداث المذهلة التي سيواجهها إن قَبِل خلافتهم قائلاً : «أيها الناس ، إنّا مستقبلون أمراً له وجوه وله ألوان ، لا تقوم به القلوب ، ولا تثبت له العقول» (١).
ولم تعِ الجماهير قوله ، وإنما ازدحمت عليه تنادي :
أمير المؤمنين ، أمير المؤمنين (٢).
وكثر إصرار الناس عليه وتدافعهم نحوهم ، فصارحهم بالواقع ليكونوا على بيّنة من أمرهم قائلاً :
«إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم ، ألا وأنّي من أسمعكم وأطوعكم لمَن ولّيتموه».
لقد أعرب لهم أنه إن تولّى قيادتهم فسوف يسير فيهم بالحق والعدل فلا يجاب ولا يصانع أيّ إنسان ، ودعاهم إلى التماس غيره ، إلاّ أنهم أصرّوا عليه وهتفوا : ما نحن بمفارقيك حتّى نبايعك.
وتزاحمت الجماهير عليه ، وانثالوا عليه من كل جانب وهم يطالبونه بقبول خلافتهم ، وقد وصف (عليه السّلام) شدّة إصرارهم وازدحامهم عليه بقوله : «فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع (٣) ينثالون عليّ من كل
__________________
(١) نهج البلاغة ـ محمد عبده ١ / ١٨٢.
(٢) أنساب الأشراف ٥ / ٧.
(٣) عرف الضبع : الشعر الكثير الذي يكون على عنق الضبع ، يضرب به المثل في كثرة الازدحام.