دنف ، فلمّا أفاق أجمع رأيه على الالتحاق بمعاوية ، لينعم بصلاته وهباته التي يختلسها من أموال المسلمين.
لقد أجمع المؤرّخون على أنّ الإمام (عليه السّلام) قد أجهد نفسه وأرهقها من أمره عسراً ، فلم ينعم هو ولا أهل بيته من خيرات الدولة ، ولم يصطفِ منها أي شيء ، وقد نفر منه ذوو الأطماع ، وراح يوصي بعضهم بعضاً في الابتعاد عن الإمام.
يقول خالد بن معمر الأوسي لعلباء بن الهيثم ـ وكان من أصحاب علي ـ : اتق الله يا علباء في عشيرتك ، وانظر لنفسك ولرحمك ماذا تؤمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما فأبى وغضب ، فلم يفعل (١)؟!
إنّ الإنسانية على ما جرّبت من تجارب ، وبلغت من رقي وإبداع في الأنظمة الاقتصادية فإنها بأي حال لم تستطع أن تنشأ مثل هذا النظام الاقتصادي الذي انتهجه الإمام ؛ فإنه يرتبط بواقع الحياة ، ولا يشذّ عن سننها ، وهو يهدف قبل كل شيء إلى عدالة التوزيع وبسط الرفاهية على الجميع ، والقضاء على الحاجة والحرمان.
وعلى أيّ حال فإن السياسة الاقتصادية الخلاّقة التي تبنّاها الإمام قد ثقلت على القوى المنحرفة عن الإسلام ، فانصرفوا عن الإمام وأهل بيته ، والتحقوا بالمعسكر الاُموي الذي يضمن لهم الاستغلال والنهب ، وسلب قوت الشعب والتلاعب باقتصاد البلاد.
وقد كان قادة الجيش الذي خفّ لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من ذوي الثروات الطائلة ، كعمرو بن حريث (٢) ، وشبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر وغيرهم ممن منحتهم الحكومة
__________________
(١) شرح ابن أبي الحديد ١٠ / ٢٥٠.
(٢) تاريخ الطبري ١ / ٥ / ٢٦٠٠ ، وجاء فيه : إنّ عمرو بن حريث كان أكثر أهل الكوفة مالاً.