حتّى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والاُخرى في فأس رأسه (١) ، فقبّله وقال : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً. حسين سبط من الأسباط» (٢).
ودلّل النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذا الحديث الشريف على مدى الصلة العميقة التي بينه وبين وليده ، وأكبر الظنّ أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يعنِ بقوله : «حسين منّي» الرابطة النسبية التي بينه وبينه ، وإنّما عنى أمراً آخر هو أدقّ وأعمق. فالحسين منه ؛ لأنّه يحمل روحه وهَديه ، ويحمل اتجاهاته العظيمة الهادفة إلى إصلاح الإنسان ورفع مستواه ، وتطوير وسائل حياته على أساس الإيمان بالله الذي يحمل جميع مفاهيم الخير والسلام في الأرض. كما عنى (صلّى الله عليه وآله) بقوله : «وأنا من حسين» أنّ ما يبذله السّبط العظيم من التضحية والفداء في سبيل الدين ، وما تؤدّيه تضحيته من الفعاليات الهائلة في تجديد رسالة الإسلام ، وجعلها نابضة بالحياة على مرّ الأجيال الصاعدة ، فكان النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك حقّاً من الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فهو المجدّد لدينه ، والمنقذ له من شرّ تلك الطغمة الحاكمة التي جهدت على محو الإسلام من خريطة هذا الكون ، وإعادة مفاهيم الجاهليّة وخرافاتها على مسرح الحياة. وقد نسف الإمام بنهضته أحلام الاُمويِّين ، وأعاد للإسلام نضارته وحياته ، ورفع رايته عالية خفّاقة في جميع الأجيال.
__________________
(١) وفي رواية : فوضع إحدى يديه تحت قفاه ، والاُخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه وهو يقول : «حسين منّي ...» إلخ.
(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٥١ ، مسند أحمد بن حنبل ٤ / ١٧٢ ، اُسد الغابة ٢ / ١٩ ، تهذيب الكمال / ٧١ ، تيسير الوصول ٣ / ٢٧٦ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٧ ، أنساب الأشراف ج ١ ق ١.