٢٠٤ ـ ومن كلام له عليه السّلام
بالبصرة ، وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثى ـ وهو من أصحابه ـ يعوده ، فلما رأى سعة داره قال :
ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار فى الدّنيا؟ أما أنت إليها فى الآخرة كنت أحوج؟! وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة : تقرى فيها الضّيف ، وتصل فيها الرّحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها (١) فإذا أنت [قد] بلغت بها الآخرة فقال له العلاء. يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخى عاصم بن زياد. قال : وما له؟ قال : لبس العباءة وتخلى عن الدنيا. قال : علىّ به ، فلما جاء قال :
يا عدىّ نفسه (٢) لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك ، أترى اللّه أحلّ لك الطّيّبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على اللّه من ذلك! قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت فى خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك! قال : ويحك ، إنّى لست كأنت ، إنّ اللّه فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس. كيلا يتبيّغ بالفقير فقره (٣)
__________________
(١) أطلع الحق مطلعه : أظهره حيث يحب أن يظهر
(٢) عدى : تصغير عدو ، وفى هذا الكلام بيان أن لذائذ الدنيا لا تبعد العبد عن اللّه لطبيعتها ، ولكن لسوء القصد فيها
(٣) «يقدروا أنفسهم» أى : يقيسوا أنفسهم بالضعفاء ليكونوا قدوة للغنى فى الاقتصاد ، وصرف الأموال فى وجوه الخير ومنافع العامة ، وتسلية الفقير على فقره ، حتى لا يتبيغ ـ أى : يهيج به ألم الفقر فيهلكه ـ وقد روى المعنى بتمامه بل بأكثر تفصيلا عنه كرم اللّه وجهه فى عبارة أخرى