دنياهم ، وخفتهم على دينك ، فاترك فى أيديهم ما خافوك عليه ، واهرب بما خفتهم عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك! وستعلم من الرّابح غدا ، والأكثر حسّدا؟؟! ولو أنّ السّموات والأرض كانتا على عبد رتقا ثمّ اتّقى اللّه لجعل اللّه له منهما مخرجا ، لا يؤنسنّك إلاّ الحقّ ولا يوحشنّك إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك ، ولو قرضت منها لأمنوك (١)
١٢٧ ـ ومن كلام له عليه السّلام
أيّتها النّفوس المختلفة ، والقلوب المتشتّتة ، الشّاهدة أبدانهم ، والغائبة عنهم عقولهم! أظأركم على الحقّ (٢) وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد! هيهات أن أطلع بكم سرار العدل (٣) ، أو أقيم اعوجاج الحقّ.
__________________
(١) لو قرضت منها جزءا وخصصت به نفسك : أى لو رضيت أن تنال منها.
(٢) أظأركم : أعطفكم ، وتقول : ظأرت الناقة أظأرها وهى ناقة مظؤرة ، إذا عطفتها على ولد غيرها ، وفى أمثالهم «الطعن يظأره» أى : يعطفه على الصلح ، وتقول أيضا : ظأرت الناقة تظأر ، إذا عطفت على البو ، فهو فعل يتعدى ويلزم. والوعوعة : الصوت وكذلك الوعواع
(٣) السرار ـ كسحاب وكتاب ـ فى الأصل : آخر ليلة من الشهر ، والمراد الظلمة ، أى أن أطلع بكم شارفا يكشف عما عرض على العدل من الظلمة ، كما يدل على هذا قوله «وأقيم اعوجاج الحق» فان الحق لا اعوجاج فيه ولكن قوما خلطوه بالباطل فهذا ما أصابه من اعوجاج. قال ابن أبى الحديد : ويمكن عندى أن يفسر على وجه آخر ، وهو أن يكون السرار ههنا بمعنى السرر ، وهى خطوط مضيئة فى الجبهة ، وقد نص أهل اللغة على أنه يجوز فيها سرر وسرار ، فيكون معنى كلامه عليه السّلام : هيهات أن تلمع بكم لوامع العدل وتنجلى أرصاده ، ويبرق