إنّما مثلى بينكم مثل السّراج فى الظّلمة ليستضىء به من ولجها ، فاسمعوا أيّها النّاس وعوا ، وأحضروا آذان قلوبكم تفهموا.
١٨٣ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أوصيكم ـ أيّها النّاس ـ بتقوى اللّه ، وكثرة حمده على آلائه إليكم ، ونعمائه عليكم ، وبلائه لديكم (١). فكم خصّكم بنعمة ، وتدارككم برحمة! أعورتم له فستركم (٢) ، وتعرّضتم لأخذه فأمهلكم ، وأوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه ، وكيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم (٣) وطمعكم فيمن ليس يمهلكم؟! فكفى واعظا بموتى عاينتموهم ، حملوا إلى قبورهم غير راكبين (٤) ، وأنزلوا فيها غير نازلين! فكأنّهم لم يكونوا للدّنيا عمّارا ، وكأنّ الآخرة لم تزل لهم دارا ، أوحشوا ما كانوا يوطنون (٥) ، وأوطنوا ما كانوا يوحشون ، واشتغلوا بما فارقوا وأضاعوا ما إليه انتقلوا ، لا عن قبيح
__________________
(١) البلاء : الاحسان
(٢) «أعورتم له» أى : ظهرت له عوراتكم وعيوبكم ، و «لأخذه» أى : أن يأخذكم بالعقاب
(٣) أغفله : سهى عنه وتركه
(٤) إنما يقال ركب ونزل ـ حقيقة ـ لمن فعل بارادته
(٥) أوطن المكان : اتخذه وطنا ، وأوحشه : هجره حتى لا أنيس منه به. وقوله «واشتغلوا» أى : وكانوا اشتغلوا بالدنيا التى فارقوها ، وأضاعوا العاقبة التى انتقلوا إليها