١٥١ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
يذكر فيها بديع خلقة الخفاش (١)
الحمد للّه الّذى انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته (٢) ، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته ، هو اللّه الملك الحقّ المبين ، أحقّ وأبين ممّا تراه العيون ، لم تبلغه العقول بتحديد فيكون مشبّها ، ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثّلا ، خلق الخلق على غير تمثيل ، ولا مشورة مشير ، ولا معونة معين ، فتمّ خلقه بأمره ، وأذعن لطاعته فأجاب ولم يدفع وانقاد ولم ينازع.
ومن لطائف صنعته ، وعجائب حكمته ، ما أرانا من غوامض الحكمة فى هذه الخفافيش الّتى يقبضها الضّياء الباسط لكلّ شىء ، ويبسطها الظّلام القابض لكلّ حىّ ، وكيف عشيت أعينها (٣) عن أن تستمدّ من الشّمس
__________________
(١) الخفاش : واحد جمعه خفافيش ، وهو هذا الطائر الذى يطير ليلا ولا يطير نهارا ، وهو مأخوذ من الخفش ـ بفتح الخاء والفاء جميعا ، وفعله مثل تعب ـ وهو صغر العينين وضعف البصر ، ويكون خلقة ، وهو علة لازمة ، وصاحبه يبصر ليلا أكثر مما يبصر نهارا ، ويبصر يوم الغيم أكثر مما يبصر يوم الصحو ، والذكر أخفش ، والأنثى خفشاء
(٢) انحسرت : انقطعت ، وكلت ، وأعيت
(٣) العشا ـ مقصورا ـ سوء البصر وضعفه ، وفعله من باب تعب