١٩٠ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
الحمد للّه الّذى أظهر من آثار سلطانه ، وجلال كبريائه ، ما حيّر مقل العيون من عجائب قدرته (١) ، وردع خطرات هماهم النّفوس عن عرفان كنه صفته (٢).
وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه شهادة إيمان وإيقان ، وإخلاص وإذعان. وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله أرسله وأعلام الهدى دارسة ، ومناهج الدّين طامسة (٣) ، فصدع بالحقّ ، ونصح للخلق ، وهدى إلى الرّشد ، وأمر بالقصد ، صلّى اللّه عليه وآله [وسلم].
واعلموا ، عباد اللّه ، أنّه لم يخلقكم عبثا ، ولم يرسلكم هملا. علم مبلغ نعمه عليكم ، وأحصى إحسانه إليكم ، فاستفتحوه ، واستنجحوه (٤) ، واطلبوا إليه واستمنحوه ، فما قطعكم عنه حجاب ، ولا أغلق عنكم دونه باب ، وإنّه لبكلّ مكان ، وفى كلّ حين وأوان ، ومع كلّ إنس وجانّ ، لا يثلمه العطاء (٥) ،
__________________
(١) المقل ـ بضم ففتح ـ : جمع مقلة ، وهى شحمة العين التى تجمع البياض والسواد.
(٢) هماهم النفوس : همومها فى طلب العلم
(٣) من «طمس» ـ بفتحات ـ أى : انمحى واندرس ، و «صدع» أى : شق بناء الباطل بصدمة الحق. والقصد : الاعتدال فى كل شىء
(٤) استفتحوه : اسالوه الفتح على أعدائكم ، واستنجحوه : اسألوه النجاح فى أعمالكم واستمنحوه : التمسوا منه العطاء
(٥) ثلم السيف ـ كضرب ـ كسر جانبه ، مجاز عن عدم انتقاص خزائنه بالعطاء. والحباء «١٣ ـ ن ـ ج ـ ٢» ـ ككتاب ـ : العطية لا مكافأة عليها. واستنفده : جعله نافد المال لا شىء عنده. واستقصاه : أتى على آخر ما عنده ، واللّه سبحانه لا نهاية لما لديه من المواهب ، و «لا يلويه» أى : لا يميله ، وتولهه : تذهله ، ويجنه : مضارع أجنه ، ويقال جنه يجنه ـ كيظنه ـ ومعناه يستره ، وكأنه يريد رضى اللّه عنه أن صور الموجودات حجاب بين الوهم وسبحات وجهه وعلو ذاته مانع للعقل عن اكتناهه ، فهو بهذا باطن ، ومع ذلك فالأشياء بذاتها لا وجود لها ، وإنما وجودها نسبتها إليه. فالوجود الحقيقى البرىء من شوائب العدم وجوده ، فالموجودات أشعة ضياء لوجود الحق ، فهو الظاهر على كل شىء ، وبهذا تتبين الأوصاف الآتية