١٥٢ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
الحمد للّه الّذى جعل الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله ، ودليلا على آلائه وعظمته
عباد اللّه ، إنّ الدّهر يجرى بالباقين كجريه بالماضين ، لا يعود ما قد ولّى منه ، ولا يبقى سرمدا ما فيه. آخر فعاله كأوّله ، متسابقة أموره (١) متظاهرة أعلامه ، فكأنّكم بالسّاعة تحدوكم حدو الزّاجر بشوله ، فمن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر فى الظّلمات ، وارتبك فى الهلكات ، ومدّت به شياطينه فى طغيانه ، وزيّنت له سيّىء أعماله ، فالجنّة غاية السّابقين ، والنّار غاية المفرّطين.
اعلموا عباد اللّه ، أنّ التّقوى دار حصن عزيز ، والفجور دار حصن ذليل :
__________________
(١) تتسابق أمور الدهر ـ أى : مصائبه ـ كأن كلا منها يطلب النزول قبل الآخر ، فالسابق منها مهلك ، والمتأخر لاحق له فى مثل أثره ، والأعلام : هى الرايات ، كنى بها عن الجيوش وتظاهرها وتعاونها ، والساعة : القيامة ، وحدوها : سوقها وحثها لأهل الدنيا على المسير للوصول إليها. وزاجر الأبل : سائقها. والشول ـ بالفتح جمع شائلة ، على غير قياس ، وهى من الأبل : ما خف لبنها ، وارتفع ضرعها ، ومضى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر أو ثمانية ، فأما الشائل ـ بغير هاء ـ فهى الناقة تشول بذنبها للقاح ـ أى : ترفعه ـ ولا لبن لها أصلا ، وجمعها شول ، مثل راكع وركع ، وقال أبو النجم كأن فى أذنابهن الشول والزاجر : الذى يزجر الأبل ويسوقها. وتقول : حدوث بابلى حدوا وحداء ، إذا سقتها وغنيت لها ، ويقال للشمال : حدواء ، لأنها تحدو السحاب ـ أى : تسوقه ـ والمعنى : إن سائق الشول يعسف بها ولا يتقى سوقها ولا يدارك كما يسوق العشار :