بما تكلّم به الجبابرة (١) ، ولا تتحفّظوا منّى بما يتحفّظ به عند أهل البادرة ، ولا تخالطونى بالمصانعة ، ولا تظنّوا بى استثقالا فى حقّ قيل لى ، ولا التماس إعظام لنفسى ، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ ، أو مشورة بعدل ، فإنّى لست فى نفسى بفوق أن أخطىء ، ولا آمن ذلك من فعلى إلاّ أن يكفى اللّه من نفسى ما هو أملك به منّى (٢) ، فإنّما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره : يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا ، وأخرجنا ممّا كنّا فيه إلى ما صلحنا عليه ، فأبدلنا بعد الضّلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمى.
٢١٢ ـ ومن كلام له عليه السّلام
اللّهمّ إنّى أستعديك على قريش (٣) [ومن أعانهم] فإنّهم قد قطعوا رحمى
__________________
الحقوق أو قضاء فريضة من الفرائض فلا تثنوا على ذلك ، فانما وقيت نفسى ، وعملت لسعادتى ، على أنى ما أديت الواجب على فى ذلك ، وما أجزل هذا القول وأجمعه
(١) ينهاهم عن مخاطبتهم له بألقاب العظمة كما يلقبون الجبابرة ، وعن التحفظ منه بالتزام الذلة والموافقة على الرأى صوابا أو خطأ كما يفعل مع أهل البادرة ـ أى : الغضب ـ و «صانعه» إذا أتى ما يرضيه وإن كان غير راض عنه ، والمصانعة : المداراة
(٢) يقول : لا آمن الخطأ فى أفعالى إلا إذا كان يسر اللّه لنفسى فعلا هو أشد ملكا له منى فقد كفانى اللّه ذلك الفعل فأكون على أمن من الخطأ فيه.
(٣) أستعديك : أستعينك ، و «إكفاء الأناء» أى : قلبه ، مجاز عن تضييعهم لحقه.