ثم نادى باعلى صوته :
الجهاد الجهاد عباد اللّه!! ألا وإنّى معسكر فى يومى هذا ، فمن أراد الرّواح إلى اللّه فليخرج.
قال نوف : وعقد للحسين ـ عليه السلام ـ فى عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد رحمه اللّه فى عشرة آلاف ، ولأبى أيوب الأنصارى فى عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر ، وهو يريد الرجعة إلى صفين ، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه اللّه ، فتراجعت العساكر فكنا كأغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان.
١٧٨ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
الحمد للّه المعروف من غير رؤية ، الخالق من غير منصبة (١) خلق الخلائق بقدرته ، واستعبد الأرباب بعزّته ، وساد العظماء بجوده. وهو الّذى أسكن الدّنيا خلقه ، وبعث إلى الجنّ والإنس رسله ، ليكشفوا لهم عن غطائها ، وليحذّروهم من ضرّائها ، وليضربوا لهم أمثالها ، وليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها وأسقامها (٢) ، وليبصروهم عيوبها وحلالها وحرامها ، وما
__________________
(١) المنصبة ـ كمصطبة ـ : التعب ، وفعله نصب ينصب نصبا ـ مثل تعب يتعب تعبا ، وزنا ومعنى ـ و «هم ناصب» أى : ذو نصب ، مثل تامر ولابن ، وهو فى قول النابغة كلينى لهم يا أميمة ناصب وقيل هو فاعل بمعنى مفعول فيه ، لأنه ينصب فيه ويتعب ، مثل قولهم نهار صائم وليل نائم ويوم عاصف
(٢) هجم عليه ـ كنصر ـ : دخل غفلة ، والمعتبر : مصدر ميمى بمعنى الاعتبار والاتعاظ ، والتصرف : التبدل ، والمصاح : جمع مصحة ـ بكسر الصاد وفتحها ـ بمعنى الصحة والعافية. كان الناس فى غفلة عن سر تعاقب الصحة والمرض على بدن الانسان حتى نبهتهم رسل اللّه إلى أن هذا ابتلاء منه سبحانه ليعرف الانسان عجزه ، وأن أمره بيد خالقه