ومعلنها (١) لا يقع اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة فى الأرض ، فمن عرفها وأفرّ بها فهو مهاجر ، ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه ووعاها قلبه.
إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يحمله إلاّ عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ، ولا يعى حديثنا إلاّ صدور أمينة ، وأحلام رزينة (٢).
أيّها النّاس ، سلونى قبل أن تفقدونى! فلأنا بطرق السّماء أعلم منّى بطرق الأرض ، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ فى خطامها (٣) وتذهب بأحلام قومها.
١٨٥ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
أحمده شكرا لإنعامه ، وأستعينه على وظائف حقوقه. عزيز الجند ، عظيم المجد. وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله دعا إلى طاعته ، وقاهر أعداءه جهادا على
__________________
(١) استسر الامر : كتمه ، والامة ـ بكسر الهمزة ـ : الحالة ، وبضمها الطاعة أى : إن الهجرة فرضت على المكلفين لمصلحتهم ، وإلا فاللّه لا حاجة به إلى مضمر إيمانه فى بلاد الكفر ، ولا إلى معلنه فى ديار الاسلام
(٢) أحلام : عقول
(٣) شعر برجله : رفعها ، ثم الجملة كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها ، من قولهم «بلدة شاغرة برجلها» أى : معرضة للغارة لا تمتنع عنها. و «تطأ فى خطامها» أى : تتعثر فيه ، كناية عن إرسالها وطيشها ، وعدم قائد لها. أما قوله عليه السلام «فلأنا بطريق السماء أعلم الخ» فالقصد به أنه فى العلوم الملكوتية والمعارف الألهية أوسع إحاطة منه بالعلوم الصناعية. وفى تلك تظهر مزية العقول العالية والنفوس الرفيعة ، وبها ينال الرشد ، ويستضىء الفكر