دينه. لا يثنيه عن ذلك اجتماع على تكذيبه ، والتماس لإطفاء نوره. فاعتصموا بتقوى اللّه فإنّ لها حبلا وثيقا عروته ، ومعقلا منيعا ذروته ، (١) وبادروا الموت فى غمراته ، وامهدوا له قبل حلوله ، وأعدّوا له قبل نزوله ، فإنّ الغاية القيامة وكفى بذلك واعظا لمن عقل ، ومعتبرا لمن جهل. وقبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الأرماس (٢) ، وشدّة الإبلاس ، وهول المطّلع ، وروعات الفزع ، واختلاف الأضلاع ، واستكاك الأسماع ، وظلمة اللّحد ، وخيفة الوعد ، وعمّ الضّريح ، وردم الصّفيح.
فاللّه اللّه عباد اللّه! ، فإنّ الدّنيا ماضية بكم على سنن ، وأنتم والسّاعة فى قرن (٣) وكأنّها قد جاءت بأشراطها ، وأزفت بأفراطها ، ووقفت بكم على
__________________
(١) المعقل ـ كمسجد ـ : الملجأ ، وذروة كل شىء : أعلاه ، ومبادرة الموت : سبقه بالاعمال الصالحة ، و «فى غمراته» : حال من الموت. والغمرات : الشدائد ، ومهد ـ كمنع ـ معناه هنا : عمل
(٢) الأرماس : القبور ، جمع رمس ، وأصله اسم للتراب. والابلاس : حزن فى خذلان ويأس. والمطلع ـ بضم فتشديد مع فتح ـ : المنزلة التى منها يشرف الانسان على أمور الآخرة ، وهى منزلة البرزخ. وأصل المطلع : موضع الاطلاع من ارتفاع إلى انحدار. و «اختلاف الاضلاع» : دخول بعضها فى موضع الآخر من شدة الضغط ، و «استكاك الاسماع» : صممها من التراب أو الأصوات الهائلة. والضريح : اللحد ، والردم : السد ، والصفيح : الحجر العريض. والمراد ما يسد به القبر.
(٣) «سنن» أى : على طريق معروف تفعل بكم فعلها بمن سبقكم. والقرن ـ محركا ـ : الحبل يقرن به البعيران ، كناية عن القرب وأن لا بد منها. والأشراط ، العلامات. وأزفت : قربت ، والافراط : جمع فرط ـ بسكون الراء ـ : وهو العلم المستقيم يهتدى به ، أى : بدلائلها