رهبة وخوفا. فالطّير مسخّرة لأمره ، أحصى عدد الرّيش منها والنّفس ، وأرسى قوائمها على النّدىّ واليبس (١) ، وقدّر أقواتها ، وأحصى أجناسها :
فهذا غراب ، وهذا عقاب ، وهذا حمام ، وهذا نعام. دعا كلّ طائر باسمه ، وكفل له برزقه ، وأنشأ السّحاب الثّقال فأهطل ديمها (٢) وعدّد قسمها ، فبل الأرض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها.
١٨١ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
فى التوحيد ، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة [غيرها] ما وحّده من كيّفه ، ولا حقيقته أصاب من مثّله ، ولا إيّاه عنى من شبّهه ، ولا صمده من أشار إليه وتوهّمه (٣). كلّ معروف بنفسه مصنوع (٤) ، وكلّ
__________________
(١) المراد من الندى هنا : مقابل اليبس ـ بالتحريك ـ فيعم الماء ، كأنه يريد أن اللّه جعل من الطير ما تثبت أرجله فى الماء ، ومنه من لا يمشى إلا فى الأرض اليابسة
(٢) الهطل ـ بالفتح ـ : تتابع المطر والدمع ، والديم ـ كالهمم ـ جمع ديمة : وهى مطر يدوم فى سكون بلا رعد ولا برق ، و «تعديد القسم» إحصاء ما قدر منها لكل بقعة. و «جدوب الأرض» : يبسها لاحتجاب المطر عنها
(٣) صمده : قصده ، وبابه نصر
(٤) أى : كل معروف الذات بالكنه مصنوع ، لأن معرفة الكنه إنما تكون بمعرفة أجزاء الحقيقة. فمعروف الكنه مركب ، والمركب مفتقر فى الوجود لغيره ، فهو مصنوع.