القلال (١) ، وتفرّق هذه اللّغات ، والألسن المختلفات ، فالويل لمن جحد المقدّر ، وأنكر المدبّر. زعموا أنّهم كالنّبات ما لهم زارع ، ولا لاختلاف صورهم صانع! ولم يلجأوا إلى حجّة فيما ادّعوا (٢) ، ولا تحقيق لما أوعوا ، وهل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غير جان؟ وإن شئت قلت فى الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين (٣) ، وجعل لها السّمع الخفىّ ، وفتح لها الفم السّوىّ ، وجعل لها الحسّ القوىّ ، ونابين بهما تقرض ومنجلين بهما تقبض (٤) يرهبها الزّرّاع فى زرعهم ، ولا يستطيعون ذبّها (٥) ، ولو أجلبوا بجمعهم ، حتّى ترد الحرث فى نزواتها (٦) وتقضى منه شهواتها! وخلقها كلّه لا يكون إصبعا مستدقّة فتبارك اللّه الّذى يسجد له من فى السّموات والأرض طوعا وكرها ، ويعنو له خدّا ووجها ، ويلقى إليه بالطّاعة سلما وضعفا ، ويعطى له القياد
__________________
(١) القلال : جمع قلة ـ بالضم ـ وهى رأس الجبل.
(٢) «لم يلجأوا» : لم يستندوا ، و «أوعاه» كوعاه ، بمعنى حفظه
(٣) أى : مضيئتين كأن كلا منهما ليلة قمراء أضاءها القمر
(٤) المنجل ـ كمنبر ـ : آلة من حديد معروفة يقضب بها الزرع. قالوا : أراد بهما هنا رجليها لاعوجاجهما وخشونتهما
(٥) دفعها
(٦) «نزواتها» أى : وثباتها ، وتقول : نزا عليه ، أى : وثب ، وبابه عدا ، وجاء المصدر على نزوان ـ بحركات ـ أيضا