الدّيّان ، ولو فى الصّفا اليابس ، والحجر الجامس (١) ، ولو فكّرت فى مجارى أكلها ، فى علوها وسفلها ، وما فى الجوف من شراسيف بطنها (٢) وما فى الرّأس من عينها وأذنها ، لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا ، فتعالى الّذى أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها! لم يشركه فى فطرتها فاطر ، ولم يعنه فى خلقها قادر. ولو ضربت فى مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلّتك الدّلالة إلاّ على أنّ فاطر النّملة هو فاطر النّخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شىء (٣) وغامض اختلاف كلّ حىّ!! وما الجليل واللّطيف ، والثّقيل والخفيف ، والقوىّ والضّعيف ، فى خلقه إلاّ سواء!! وكذلك السّماء والهواء ، والرّياح والماء.
فانظر إلى الشّمس والقمر ، والنّبات والشّجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا اللّيل والنّهار ، وتفجّر هذه البحار ، وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه
__________________
(١) الجامس : الجامد
(٢) الشراسيف : مقاط الأضلاع ، وهى أطرافها التى تشرف على البطن ، والواحد شرسوف ـ بزنة عصفور ـ أو الشرسوف : غضروف معلق بكل عضو مثل غضروف الكتف ، وقال ابن الأعرابى : الشرسوف : رأس الضلع مما يلى البطن ، وقال أعشى بأهلة يرثى أخاه لأمه المنتشر بن وهب الباهلى : ـ
لا يتأرى لما فى القدر يرقبه |
|
ولا يعض على شرسوفه الصفر |
(لا يتأرى : لا يتحبس. والصفر : الجوع ، وقيل : دابة تعض الضلوع والشراسيف)
(٣) أى : إن دقة التفصيل فى النملة ـ على صغرها ـ والنخلة ـ على طولها ـ تدلك على أن الصانع واحد