١٩١ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
روى أن صاحبا لأمير المؤمنين عليه السلام ـ يقال له : همام ـ كان رجلا عابدا ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، صف لى المتقين حتى كأنى أنظر إليهم! فتثاقل عليه السلام عن جوابه ، ثم قال : يا همّام اتّق اللّه وأحسن ف «إِنَّ اَللّٰهَ مَعَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» فلم يقنع همام بهذا بهذا القول حتى عزم عليه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النبى صلّى اللّه عليه وآله ، ثم قال :
أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه وتعالى خلق الخلق ـ حين خلقهم ـ غنيّا عن طاعتهم ، آمنا من معصيتهم ، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه ، ولا تنفعه طاعة من أطاعه ، فقسم بينهم معايشهم ، ووضعهم من الدّنيا مواضعهم ، فالمتّقون فيها هم أهل الفضائل : منطقهم الصّواب ، وملبسهم الاقتصاد (١) ، ومشيهم التّواضع ، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه عليهم ، ووقفوا أسماعهم على العلم النّافع لهم ، نزّلت أنفسهم منهم فى البلاء كالّتى نزّلت فى الرّخاء (٢) ، ولو لا الأجل الّذى
__________________
غلولا فهو غال ، وكل من خان خفية فقد غل ، وسميت غلولا لأن الأيدى فيها مغلولة أى : ممنوعة ، مجعول فيها غل ، وهو الحديدة التى تجمع يد الأسير إلى عنقه ، وتسمى جامعة أيضا ـ والأحاديث التى فيها لفظ الغلول كثيرة اه
(١) «ملبسهم ـ الخ» أى : إنهم لا يأتون من شهواتهم إلا بقدر حاجاتهم فى تقويم حياتهم ، فكان الانفاق كثوب لهم على قدر أبدانهم ، لكنهم يتوسعون فى الخيرات
(٢) «نزلت إلى ـ الخ» أى إنهم إذا كانوا فى بلاء كانوا بالأمل فى اللّه كأنهم كانوا فى رخاء ، لا يجزعون ولا يهنون ، وإذا كانوا فى رخاء كانوا من خوف اللّه وحذر النقمة كأنهم فى بلاء ، لا يبطرون ولا يتجبرون.