١٢٨ ـ ومن خطبة له عليه السّلام
نحمده على ما أخذ وأعطى ، وعلى ما أبلى وابتلى (١) الباطن لكلّ خفيّة (٢) والحاضر لكلّ سريرة ، العالم بما تكنّ الصّدور ، وما تخون العيون ، ونشهد أن لا إله غيره ، وأنّ محمّدا نجيبه وبعيثه (٣) شهادة يوافق فيها السّرّ الإعلان والقلب اللّسان.
منها : فإنّه واللّه الجدّ لا اللّعب ، والحقّ لا الكذب ، وما هو إلاّ الموت قد أسمع داعيه (٤) وأعجل حاديه ، فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك (٥)
__________________
(١) الابلاء : الاحسان والانعام ، تقول : قد أبلاه اللّه بلاء حسنا ، أى : أعطاه ، وقال زهير بن أبى سلمى المزنى : ـ جزى اللّه بالاحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذى يبلو والابتلاء : الامتحان ، وأصل الابتلاء إنزال مضرة بالانسان على سبيل الاختبار كالمرض والفقر ، وقد يكون الابتلاء الاختبار بالخير ، إلا أن أكثر ما يستعمل فى الشر ، وقال اللّه تعالى : «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَاَلْخَيْرِ فِتْنَةً»
(٢) الباطن : العالم ، تقول : بطنت الأمر ، أى : خبرته وعرفت بواطنه
(٣) مصطفاه ومبعوثه
(٤) أى : إن الداعى إلى الموت قد أسمع بصوته كل حى ، فلا حى إلاّ هو يعلم أنه يموت و «أعجل حاديه» أى : إن الحادى لسير المنايا إلى منازل الأجسام ـ لاخلائها من سكنة الأرواح. ـ قد أعجل المدبرين عن تدبيرهم وأخذهم قبل الاستعداد لرحيلهم ، و «من» فى قوله «فلا يغرنك سواد الناس من نفسك» إما أن تكون بمعنى الباء ، أى : لا يغرنك الناس بنفسك وصحتك وشبابك فتستبعد الموت اغترارا بذلك ، فتكون حينئذ متعلقة بيغر ، وإما أن تكون على أصلها وحينئذ فهى متعلقة بمحذوف تقديره متمكنا من نفسك وراكنا إليها
(٥) لا تغتر بكثرة الأحياء