إنّ من حقّ من عظم جلال اللّه فى نفسه ، وجلّ موضعه من قلبه ، أن يصغر عنده ـ لعظم ذلك ـ كلّ ما سواه (١) ، وإنّ أحقّ من كان كذلك لمن عظمت نعمة اللّه عليه (٢) ، ولطف إحسانه إليه ، فإنّه لم تعظم نعمة اللّه على أحد إلاّ ازداد حقّ اللّه عليه عظما ، وإنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح النّاس أن يظنّ بهم حبّ الفخر (٣) ، ويوضع أمرهم على الكبر ، وقد كرهت أن يكون جال فى ظنّكم أنّى أحبّ الإطراء ، واستماع الثّناء (٤) ، ولست ـ بحمد اللّه ـ كذلك ، ولو كنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه سبحانه عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة والكبرياء ، وربّما استحلى النّاس الثّناء بعد البلاء (٥) ، فلا تثنوا علىّ بجميل ثناء لإخراجى نفسى إلى اللّه وإليكم من التّقيّة فى حقوق لم أفرغ من أدائها (٦) ، وفرائض لا بدّ من إمضائها ، فلا تكلّمونى
__________________
(١) «كل» فاعل «يصغر» أى : يصغر عنده كل ما سوى اللّه لعظم ذلك الجلال الالهى.
(٢) وأحق المعظمين للّه بتصغير ما سواه : هو الذى عظمت نعمة اللّه عليه
(٣) أصل السخف رفة العقل وغيره ، أى : ضعفه. والمراد أدنى حالة للولاة أن يظن بهم الصالحون أنهم يحبون الفخر ويبنون أمورهم على أساس الكبر.
(٤) كره الامام أن يخطر ببال قومه كونه يحب الاطراء ، أى : المبالغة فى الثناء عليه ، فان حق الثناء للّه وحده ، فهو رب العظمة والكبرياء
(٥) البلاء : إجهاد النفس فى إحسان العمل
(٦) «لاخراجى» متعلق بتثنوا. والتقية : الخوف ، والمراد لازمه ، وهو العقاب. و «من» متعلق باخراجى ، أى : إذا أخرجت نفسى من عقاب اللّه فى حق من