.................................................................................................
______________________________________________________
إلّا أنّ الكلام في أنّه هل يضمن للمستأجر في ذمّته بمقدار ما يفوت منه من الخدمة ، كما هو الحال في المثال ، نظراً إلى أنّ غاية ما يترتّب على الاضطرار هو ارتفاع الحكم التكليفي وهو الإثم ، أمّا الوضعي كي يتّصف تصرّفه بالمجّانيّة ويلتزم بالتخصيص في دليل الضمان الناشئ من إتلاف مال الغير فهذا شيء لا تقتضيه الضرورة المزبورة بوجه؟
أو لا يضمن ، لمكان الفرق بين ما نحن فيه وبين المثال المذكور ، أعني : الأكل عند المخمصة؟
لا يبعد المصير إلى الثاني ، وذلك لأجل أنّه إذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ بحيث حرمت عليه الخدمة ووجب الكسب مقدّمةً لحفظ النفس فلا جرم كشف ذلك عن بطلان الإجارة بالإضافة إلى هذه المنفعة غير القابلة للتسليم من الأوّل ، ضرورة عدم سلطنة المولى على تمليك منفعة لا يجب بل لا يجوز تسليمها إلى المستأجر لأدائه إلى تلفه وهلاكه. وقد تقدّم في شرائط الإجارة اعتبار تمكّن المستأجر من استيفاء المنفعة (١) ، والمنفعة في المقام بعد الاتّصاف بما عرفت غير قابلة للاستيفاء ، فلم يكن للمالك تمليكها من الأوّل ، فطبعاً تنفسخ الإجارة في خصوص هذه الخدمة ، فللمستأجر أن يراجع المؤجر وهو المالك ويطالبه باسترجاع ما يعادل هذه المنفعة من الأُجرة.
وبعبارة اخرى : بعد أن لم يكن للمالك تمليك هذه المنفعة الموقعة للعبد في الهلكة فهي لم تدخل في ملك المستأجر من الأوّل ، وحيث إنّها لا تتعلّق الآن بالمولى لفرض الانعتاق والخروج عن ملكه بجميع منافعه عدا ما ملّكه للمستأجر ، وليس هذا منه كما عرفت فلا جرم تكون مملوكة لنفس العبد المعتق يصرفها في إعاشة نفسه حفظاً عن الهلاك.
__________________
(١) في ص ٤٣ ـ ٤٥.