قرأت على أبي (١) القاسم زاهر بن طاهر ، عن أبي بكر البيهقي الحافظ ، أنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا عمرو الصغير يقول :
نزلنا بعض الخانات بدمشق قرب القصر ، فصلّينا العصر ، ونحن على أن نبكّر إلى أحمد بن عمير ، فإذا الخانيّ آت (٢) يعدو ويقول : أين أبو علي الحافظ؟ فقلت : هاهنا. فقال : قد حضره الشيخ زائرا. فغدوت فإذا الشيخ راكب على بغلة في الخان. فنزل عن البغلة ، وصعد الغرفة التي نزلنا فيها ، وسلّم على أبي عليّ ، ورحّب به وأظهر الفرح بوروده ، وأخذ في المذاكرة معه إلى أن قربت العتمة ، ثم قال : يا أبا علي ؛ جمعت حديث عبد الله بن دينار؟ فقال أبو علي : نعم. فقال : أخرجه إليّ ، فأخرجه أبو علي ، فأخذه ووضعه في كفّه (٣) ، وقام فركب. فلما أصبحنا جاءنا رسوله وحملنا إلى منزله ، فقرأ على أبي عليّ ، وكان أبو علي يذاكره وينتخب عليه إلى أن أمسينا فانصرفنا إلى رحلنا ، وجماعة من الغرباء من الرحّالة ينتظرون أبا علي ، فسلّموا عليه ، ثم ذكروا شأن أحمد بن عمير وما نقموا عليه من الأحاديث التي أنكروها ، وأبو علي يسكّنهم (٤) ويقول : لا تفعلوا ، هذا إمام من أئمة المسلمين ، وقد جاز القنطرة. وكان زعيمهم والنائب عنهم في الكلام الزبير بن عبد الواحد الأسدآباذي ؛ فقال : يا أبا علي ؛ إنه ألحق بخطه الجديد في أصل كتابه ، في حديث ورقاء ، عن عمرو بن دينار : ـ ورقاء وابن ثوبان ـ عن عمرو بن دينار. فقال أبو علي : ليس في هذا الحديث ابن ثوبان. إنما رواية ابن ثوبان : حدّثونا عن أبي القتى ، نا بقية ، عن ابن ثوبان ، عن عطاء بن يسار. وليس فيه عمرو بن دينار. فبلغ أحمد بن عمير ما جرى بين أبي علي وبينهم في تلك الليلة ـ وكان يهاب أبا عليّ ، ولا يبالي بهم ـ فلما كان بعد ثلاثة أيام بعث بوكيل له إلى أبي علي ، ومعه عشرون دينارا ، فقال : يا أبا علي ، ينبغي أن تفارق الناحية ، فإن السلطان قد طلبك. فخرج أبو علي ، وخرجنا معه.
قال الحاكم : وسمعت أحمد بن محمّد بن عيسى يقول : راسله أحمد بن عمير بأنه قد أنهي إلى السلطان أنك استصحبت غلاما حدثا من أهل خراسان ، وأن أباه قد خرج في
__________________
(١) سقطت من الأصل وكتبت بين السطرين بخط مغاير وصغير.
(٢) بالأصل «الخانيان» والمثبت يوافق عبارة المطبوعة ٧ / ٩٧.
(٣) في سير أعلام النبلاء ١٥ / ١٧ «كمه».
(٤) إعجامها غير واضح بالأصل ، ولعل الصواب ما أثبت. ونقرأ في م : يسكتهم.