مخلوقات ضعيفة كالأصنام ، لا هم حققوا لأنفسهم الراحة في هذا العالم ، ولا هم ضمنوا ذلك في الحياة الآخرة ، فتقول الآية : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ، أين هم ، لماذا لا يأتون اليوم لإنقاذهم؟ لماذا لا يظهر أي حول ولا يبدون أية قوّة؟
ألم تكونوا تتوقعون منهم أن يعينوكم على حل مشكلاتكم؟ فلما ذا ـ إذن ـ لا نرى لهم أثرا؟
فيستولي على هؤلاء الرعب والخوف ويبهتون ولا يحيرون جوابا ، سوى أن يقسموا بالله إنّهم لم يكونوا مشركين ، ظنا منهم أنّهم هناك أيضا قادرون على إخفاء الحقائق : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
حول معنى «فتنة» ثمّة كلام بين المفسّرين ، منهم من قال : إنّها بمعنى الاعتذار ، وقال آخرون : إنّها بمعنى الجواب : وقالوا أيضا : إنّها الشرك (١).
هنالك احتمال آخر في تفسير هذه الآية ، وهو القول بأنّ «الفتنة» من «الافتتان» أي الوله بالشيء ، فيكون المعنى أن افتتانهم بالشرك وعبادة الأصنام ، بشكل يغشى عقولهم وأفكارهم ، قد أدى إلى أن يدركوا يوم القيامة ـ يوم يزاح الستر ـ خطأهم الكبير ، ويستقبحوا أعمالهم وينكروها تماما.
يقول الراغب في «المفردات» : أن أصل «الفتن» إدخال الذهب النّار لتظهر جودته من رداءته ، فقد يكون هذا المعنى ممّا تفسر به الآية المذكورة ، أي أنّهم عند ما تحيط بهم شدّة يوم القيامة يستيقظون ويقفون على خطأهم ، فينكرون أعمالهم طلبا للنجاة.
الآية الثّالثة ، ومن أجل أن يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).
__________________
(١) إذا أخذناها على إنّها بمعنى الاعتذار والجواب ، فلا حاجة فيهما للتقدير ، أمّا إذا أخذت بمعنى الشرك ، فينبغي أن نقدر كلمة «نتيجة» أي أنّ نتيجة شركهم كانت أن يقسموا إنّهم لم يكونوا مشركين.