تابعا لمدرسة التوحيد ، وإلّا فكيف ينهى الآخرين عن مصاحبة المشركين ، ويبقى هو على حبّه العميق لأبي طالب؟
٥ ـ في الأحاديث التي وصلتنا عن أهل البيت عليهمالسلام أدلة وافرة على إيمان أبي طالب وإخلاصه ، ولا يسع المجال هنا لذكرها ، وهي أحاديث تستند إلى الاستدلال المنطقي والعقلي ، كالحديث المنقول عن الإمام زين العابدين عليهالسلام الذي قال ـ بعد أن سئل عن إيمان أبي طالب وأجاب الإيجاب ـ : «إنّ هنا قوما يزعمون أنّه كافر .. وا عجبا كل العجب! أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد نهاه الله أن تقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن (أي في أكثر من آية) ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنّها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضياللهعنه» (١).
٦ ـ وإذا تركنا كل هذا جانبا ، فاننا قد نشك في كل شيء إلّا في حقيقة كون أبي طالب كان على رأس حماة الإسلام ورسول الإسلام ، وكانت حمايته تتعدى الحدود المألوفة بين أبناء العشيرة والعصبيات القبلية ولا يمكن تفسيرها بها.
ومن الأمثلة الحيّة على ذلك حكاية (شعب أبي طالب) يجمع المؤرخون على أنّه عند ما حاصرت قريش النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين محاصرة اقتصادية واجتماعية وسياسية شديدة وقطعت علائقها بهم ، ظل أبو طالب الحامي والمدافع الوحيد عنهم مدّة ثلاث سنوات ترك فيها كل أعماله ، وسار ببني هاشم إلى واد بين جبال مكّة يعرف بشعب أبي طالب فعاشوا فيه ، وقد بلغت تضحياته حدا أنّه ، فضلا عن بنائه الأبراج الخاصّة للوقوف بوجه أي هجوم قد تشنه قريش عليهم ، كان في كل ليلة يوقظ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من نومه ويأخذه إلى مضجع آخر يعده له ويجعل ابنه الحبيب إليه عليا عليهالسلام في مكانه ، فإذا ما قال له ابنه عليعليهالسلام : يا أبة ، إنّ هذا سيوردني موارد الهلكة ، أجابه أبو طالب عليهالسلام : ولدي عليك بالصبر ، كل حي إلى ممات ، لقد
__________________
(١) كتاب «الحجة» و «الدرجات الرفيعة» نقلا عن «الغدير» ج ٨ ، ص ٣٨٠.