ولكنها أمور تقال للتذكير.
على الرّغم من أنّ هذه الآية من الآيات التي تنفي الإجبار والإكراه ، فإنّ بعض المفسّرين كالرّازي ، يعتبرها من الأدلة على «الجبر» ويستند إلى (وَلَوْ شاءَ ...)ويقول : يتّضح من هذه الآية أنّ الله لا يريد للكفار أن يؤمنوا! ولكنّه غفل عن أنّ الإرادة والمشيئة في هذه الآية هما الإجباريتان ، أي أنّ الله لا يريد الناس أن يؤمنوا بالإجبار والإكراه ، بل يريدهم أن يؤمنوا باختيارهم وإرادتهم ، وعليه فانّ هذه الآية دليل قاطع يدحض مقوله «الجبريين».
في الآية التي تليها استكمال لما سبق ومزيد من المواساة للرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فتقول الآية (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ).
أمّا الذين هم في الواقع أشبه بالأموات فأنّهم لا يؤمنون حتى يبعثهم الله يوم القيامة : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (١).
يومئذ ، وبعد أن يروا مشاهد يوم القيامة يؤمنون ، إلّا أنّ إيمانهم ذاك لا ينفعهم شيئا ، لأنّ رؤية مناظر يوم القيامة العظيمة تحمّل كل مشاهد على الإيمان فيكون نوعا من الإيمان الاضطراري.
ومن نافلة القول أنّ «الموتى» في هذه الآية لا تشير إلى الموت الجسماني في الأفراد ، بل الموت المعنوي ، فالحياة والموت نوعان : حياة وموت عضويان ، وحياة وموت معنويان ، كذلك أيضا السمع والبصر ، عضويان ومعنويان فكثير ما نصف المبصرين السامعين الأحياء الذين لا يدركون الحقائق بأنّهم عمي أو صم أو حتى أموات ، إذ إنّ رد الفعل الذي يصدر عادة من الإنسان الحي البصير السامع إزاء الحقائق لا يصدر من هؤلاء.
أمثال هذه التعبيرات كثيرة في القرآن ، ولها عذوبة ، وجاذبية خاصّة ، بل إنّ
__________________
(١) من حيث الاعراب «الموتى» مبتدأ ، و «يبعثهم الله» خبر ، ومعنى ذلك هو أنّ هؤلاء لا يطرأ على حالهم أي تغيير حتى يبعثهم الله يوم القيامة فيرون الحقائق.