هذه الآية تستأنف ما جاء في الآيات السابقة من الكلام مع المشركين وتحذيرهم من مصيرهم يوم القيامة ، فتتحدث عن «الحشر» وبعث عام يشمل جميع الكائنات الحية والحيوانات ، فتقول أولا : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُم).
يتّضح من هذا أنّ فصائل الحيوان والطيور أمم مثل البشر ، غير أنّ للمفسّرين أقوالا مختلفة بشأن وجه الشبه في هذا التمثيل.
بعض يقول : إنّ التشابه يختص بأسرار خلقتها العجيبة التي تدل على عظمة الخالق سبحانه.
وبعض آخر يرى التشابه في حاجاتها الحياتية المختلفة وفي طرق سد تلك الحاجات وإشباعها.
ومنهم من يعتقد أنّ التشابه كائن في تشابه الإدراك والفهم والمشاعر ، أي أنّ للحيوان والطير أيضا ـ إدراكه ومشاعره في عالمه الخاص ، ويعرف الله ويسبح له ويقدسه بحسب طاقته ، وإن تكن قوّة إدراكه أدنى ممّا في الإنسان ، ثمّ إنّ ذيل هذه الآية ـ كما سيأتي بيانه ـ يؤيد هذا الرأي الأخير.
ثمّ تقول الآية : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ).
لعل المقصود بالكتاب هو القرآن الذي يضم كل شيء (ممّا يتعلق بتربية الإنسان وهدايته وتكامله) يبيّنه مرّة بيانا عاما ، كالحث على طلب العلم مطلقا ، ومرّة بيانا تفصيليا كالكثير من الأحكام الإسلامية والقضايا الأخلاقية.
ثمّة احتمال آخر يقول : إنّ المقصود بالكتاب هو «عالم الوجود» إذ أنّ عالم الخليقة مثل الكتاب الضخم ، يضم كلّ شيء ولا ينسى شيئا.
ليس ثمّة ما يمنع من أن تشمل الآية كلا التّفسيرين ، فالقرآن لم يترك شيئا تربويا إلّا وذكره بين دفتيه ، كما أنّ عالم الخليقة يخلو من كل نقص وعوز.
وتختم الآية بالقول : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).