سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ).
في الواقع ، كان المشركون أنفسهم يعتقدون أنّ الخالق والرازق هو الله ، وكانوا يعبدون الأصنام للاستشفاع بها عند الله.
والقرآن يحثّهم على الاتجاه المباشر نحو الله مصدر كل الخيرات والبركات بدل الاتجاه إلى أصنام لا قيمة لها.
وإضافة إلى ما كان يحمله عبدة الأصنام من اعتقاد بالله ، فإنّ القرآن استجوب عقولهم هنا لإبداء رأيها وحكمها في أمر أصنام لا تملك هي نفسها عينا ولا أذنا ولا عقلا ولا شعورا ، فهل يمكنها أن تهب أمثال هذه النعم للآخرين؟
ثمّ تقول الآية : انظر إلى هؤلاء الذين نشرح لهم الآيات والدلائل بمختلف الوسائل ، ولكنّهم مع ذلك يعرضون عنها : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ).
وفيما يتعلق بمعنى «ختم» وسبب ورود «سمع» بصيغة المفرد ، و «أبصار» بصيغة الجمع في القرآن راجع المجلد الاوّل من هذا التّفسير ، (٩٢).
«نصرف» من «التصريف» بمعنى «التغيير» ، والكلمة هنا تشير إلى مختلف الاستدلالات في صور متنوعة.
و «يصدفون» من «صدف» بمعنى «الجانب» و «الناحية» أي أنّ المعرض عن شيء يدير وجهه إلى جانب أو ناحية أخرى.
وهذه الكلمة تستعمل بمعنى الإعراض أيضا ، ولكنه «الإعراض الشديد» كما يقول الراغب الأصفهاني.
تشير الآية الثّانية ، بعد ذكر هذه النعم الثلاث «العين والأذن والإدراك» التي هي منبع جميع نعم الدنيا والآخرة ـ إلى إمكان سلب هذه النعم كلها دفعة واحدة ، فتقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ