كما أنّ المقصود من «يخافون» أي يحتملون وجود الضرر ، إذ يخطر ببال كل عاقل يستمع إلى دعوة الأنبياء الإلهيين ، بأنّ من المحتمل أن تكون دعوة هؤلاء صادقة ، وأنّ الإعراض عنها يوجب الخسران والضرر ، ويستنتج من ذلك أنّ من الخير له أن يدرس الدعوة ويطلع على الأدلة.
وهذا واحد من شروط الهداية ، وهو ما يطلق عليه علماء العقائد اسم «لزوم دفع الضرر المحتمل» ويعتبرونه دليل وجوب دراسة دعوى من يدعي النّبوة ، ولزوم المطالعة لمعرفة الله.
ثمّ يقول : إنّ أمثال هؤلاء من ذوي القلوب الواعية يخافون ذلك اليوم الذي ليس فيه غير الله ملجأ ولا شفيع : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ).
نعم ، أنذر أمثال هؤلاء الناس وادعهم إلى الله ، إذ أنّ الأمل في هدايتهم موجود : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
بديهي أنّ نفي «الشفاعة» و «الولاية» في هذه الآية عن غير الله لا يتناقض مع شفاعة أولياء الله وولايتهم ، إذ إنّنا سبق أن أشرنا إلى أنّ المقصود هو نفي الشفاعة والولاية بالذات ، أي أنّ هذين الأمرين مختصان ذاتا بالله ، فإذا كان لأحد غيره مقام الشفاعة والولاية فبإذن منه وبأمره ، كما يصرح القرآن بذلك : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (١).
للمزيد من التوضيح بشأن الشفاعة عموما ، انظر المجلد الأوّل : ص ١٩٨. والمجلد الثّاني من هذا التّفسير.
* * *
__________________
(١) البقرة ، ٢٥٥.