والتفاهم والمحبّة.
ثمّ تقول الآية (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
«كتب» تأتي في كثير من الأحيان كناية عن الإلزام والتعهد ، إذ إنّ من نتائج الكتابة توكيد الأمر وثبوته.
وفي الجزء الأخير من الآية ـ وهو توضيح وتفسير لرحمة الله ـ يتحدث بلهجة عاطفية : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقد سبق القول (١) أنّ «الجهالة» في مثل هذه المواضع تعني طغيان الشهوة وسيطرتها ، والإنسان بسبب هذه الأهواء المستفحلة ، لا بسبب عدائه لله وللحق ـ يفقد المقدرة العقيلة والسيطرة على الشهوات ، مثل هذا الشخص ـ وإن كان عالما بالذنب والحرمة ـ يسمى جاهلا ، لأنّ علمه مستتر وراء حجب الأهواء والشهوات ، وهذا الشخص مسئول عن ذنوبه ، ولكنّه يسعى لإصلاح نفسه وجبران أخطائه لأنّ أفعاله لم تكن عن روح عداء وخصام.
تأمر الآية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا يطرد أي شخص مؤمن مهما تكن طبقته وظروفه وعنصره ، بل عليه أن ينظر إلى الجميع بعين المساواة ، وأن يحتضنهم ويعمل على إصلاحهم حتى وإن كانوا ملوثين بالذنوب.
الآية التّالية ومن أجل توكيد هذا الموضوع تشير إلى أنّ الله سبحانه يوضح آياته وأوامره توضيحا بيّنا لكي يتبيّن طريق الباحثين عنه والمطيعين له ، كما يتبيّن طريق الآثمين المعاندين من أعداء الله : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٢).
__________________
(١) المجلد الثّالث من هذا التّفسير.
(٢) جملة «ولتستبين» معطوفة في الواقع على جملة محذوفة تدرك بالقرينة ، فيكون المعنى لتستبين سبيل المؤمنين المطيعين ولتستبين سبيل المجرمين.